تواصل » صحف ومجلات

ثغرات مفتوحة في مواجهة الإرهاب

في 2015/11/14

وحيد الغامدي- مكة نيوز السعودية-

في تقييم الحراك الديني المحلّي تاريخيا يجب التفريق بين سياقين يكثر الخلط بينهما عادة، السياق الدعوي (الصحوي)، والسياق الجهادي، وفي الثمانينات كان السياقان يعملان جنبا إلى جنب دون أن يكون لأحدهما نفوذ مباشر في توجيه أفكار الآخر، ولم يكن الاثنان كتلة واحدة بأي حال، بل تشير الدراسات إلى أن كثيرا من الاختلاف الجوهري كان يتعمق مع الزمن بين التيارين. (للاستزادة انظر: زمن الصحوة، ستيفان لاكروا).

ولكن.. هل التيار الدعوي كان بريئا تماما؟ هنا يجدر التأكيد أنه بريء فعلا من المسؤولية المباشرة لعمليات العنف اللاحقة التي ضربت الوطن منذ 2003، ولكنه بقي مسؤولا عن الجو العام الذي أنتجه كمخرجات ثقافية عامة يمكنها بكل سهولة أن تهيئ الأجواء المناسبة لنمو وترعرع فكر العنف الذي يقوم في أساسه على عنصرين أساسيين: الاعتقاد بتفوق الذات (دينيا وعقديا)، وإقصاء المخالف المختلف، وهذان العنصران، مع غيرهما من العناصر، قد شكّلا لاحقا شخصية الشاب السعودي إجمالا، وهو ما سبب ما نشاهده اليوم من انعدام القدرة على التعايش، والكراهية المذهبية، وهبوط منسوب الإيمان بالقيم الإنسانية الكبرى.

باختصار.. فإن تيار الدعوة، بأدواته: الخطب، المحاضرات، المطبوعات...، لا يمكن توجيه الاتهام له بأنه المسؤول المباشر عن ظاهرة العنف، ولكنه مسؤول فعليا عن الجو الذي خلقه، والبيئة التي شكّلها، والنفسية التي هيأها لإمكانية استقبال ثقافة العنف؛ نظرا لأنه عمل على زرع فكرة الرأي الواحد الذي تم فرض أدبياته بأنها حقائق لا تقبل الجدل أو النقاش، رافضا حتى مبدأ التعددية (الفقهية) التي تشترك معه في المرجعية الدينية الأشمل والمتكّئة على سياق فقهي عريق، لكنه ثقيل جدا على الوعي الديني المحلّي، ومن هنا تأتي الخطورة في تلك التربية الموجّهة التي لن تنتج - بطبيعة الحال - أجيالا يمكنها تقبل الاختلاف أو التعايش أو استيعاب مفاهيم الوطن الحاضن لمختلف الانتماءات والثقافات، بل ولديها مشكلة في مفاهيم الوطنية نفسها كأيقونة وجدانية ومصيرية.

في كل مرة نناقش قضايا العنف والإرهاب يندر أن نشاهد من يشير إلى مكامن الخلل، بل ويندر من يشير إلى ذلك الامتداد التربوي والبيئي الذي عمل على توفير المزاج والنفسية اللذين يسهل اقتيادهما بذات اللغة الدينية وأدواتها الوعظية التي استثمرت ذلك الفضاء ذا اللون الثقافي الواحد.

في حين أنه لو كان هناك تعددية، ولو فقهية على الأقل، لكان على منظومة العنف والإرهاب أن تواجه مناخا أصعب بكثير كي تعمل على جذب العناصر المؤيدة التي - بلا شك - قد انخدعت بالأدوات واللغة التي استهدفتها والتي لامست نقاطا وجدانية عميقة نفذت من خلالها دون أن تجد أمامها الموانع المفترضة إنسانيا وحضاريا وفكريا، وكل ذلك بسبب الفراغ التربوي الكبير الذي أحدثته صيغة الخطاب الدعوي التي لم تستهدف تنمية الحس الإنساني الرفيع أو تفعيل الشعور بالمسؤولية الحضارية تجاه الأوطان أو طرح الأسئلة النهضوية الكبرى بقدر تركيزها على طقوس (التطهير) الفردي الذاتي وفق تصورات ضيقة ومحددة.

أخيرا.. فإن الشخصية ذات المعرفة الأحادية والتفكير الأحادي ستكون بطبيعتها شخصية سهلة البرمجة والتوجيه، خصوصا حين يتم استثمار خامة تلك العقلية بذات اللغة المشابهة والمألوفة التي تستثمر أيضا في ذات النصوص الدينية المزروعة مسبقا بطريقة عشوائية لم تصاحبها عملية تثقيف حقيقية تستهدف إيقاظ الإحساس الإنساني بالواقع الحضاري والمشترك الجمعي.