صالح الزهراني- المدينة السعودية-
خرج علينا معالـي وزير الإسكان في اللقاء الشهري الذي عقده مؤخرًا مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام بحضور عددٍ من الإعلاميين والأكاديميين بتصوّر عن أزمة الإسكان في بلادنا يربطها بفكر المواطن السعودي الذي لم يتغيّر في زمنٍ سريع التغيّر، فالمواطن ما زال أسير فكرة بيت العمر، الذي لا تحتمله الظروف الحاليّة للأزمة. وما أن انتهى الوزير من حواره الذي استمرّ ساعة ونصف الساعة حتى وجد نفسه في العراء تحت القصف الإلكترونـي الذي استمرّت طلعاته لمدة أسبوع.
تحدّث الوزير عن رؤيته المستقبليّة، وخططه التنفيذيّة التي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن أزمة الإسكان في بلادنا هي أزمة فكر، لقد كان الوزير صادقًا فيما قال، لكنّ المشكلة أن الوزير حمّل المواطن المسكين المسئوليّة كعادة أصحاب المعالـي أطال الله أعمارهم.
لكن دعنا نفكّر معك يا معالي الوزير بصفتنا مواطنين ما ذا أنجزت وزارة الإسكان منذ إنشائها قبل ستة أعوام، لنتفق معك جدلًا أن المواطن لا يملك الفكر السديد للأزمة، ماذا حققت الوزارة مصنع الأفكار من إنجازات؟.
لقد دعمت القيادة الوزارة منذ إنشائها بمبلغ 265 مليار ريال، وسلّمتها ملايين الأمتار من أراضي الدولة، ولم يتم إنجاز سوى 70724 وحدة سكنية، وكل يوم نسمع من الوزارة تصريحات جديدة عن عزوف المواطنين عن تسلمّ الوحدات السكنيّة بسبب الأفكار المعشّشة في رأس المواطن الحالم ببيت العمر.
لكن يا معالي الوزير ألم يكن لدى الوزارة أزمة فكر في حشر المواطن السعودي الذي لا يقل عدد أسرته في المتوسط عن خمسة أشخاص في وحدة سكنية لا تزيد مساحتها عن 250 مترا؟ لماذا لا يكون هناك حلول وسطى بين بيت العمر الذي أصبح مستحيلًا، والوحدة السكنية التي أصبح فيها من الزاهدين ؟. ألم يكن بالإمكان منح المواطن قطعة الأرض ذات ال 400 متر التي رأى وزير المالية أنها كافية له ليبنى عليها فلاّ سكنية بمساحة لا تتجاوز 60 % من الأرض؟ لماذا تمّ اختصارها في 250 مترا؟ ولماذا لم تنجز على مدى ست سنوات في حين أنجزت مصر في أقل من نصف الفترة 500000 وحدة سكنية بدعم من دولة الإمارات. هل المواطن مسؤولٌ عن أزمة الفكر في وزارة تحت يدها ملايين الأمتار ورصيد يقدّر بـــ 265 مليار ريال ؟ .
لقد ملّ الناس من الوعود، ولن يقبلوا بالمسكنات البلاغية، والتعلّل بوجود أزمة فكر لدى المواطن، فهذا نوعٌ من التخدير الاجتماعي الذي لم يعد فعّالًا في شلّ الحراك الاجتماعي ضد ترف الأفكار
والتنظيرات الهلاميّة، حتى الإعلاميين الذين حضروا لم يقتنعوا بما قال معاليكم، فخرج كتاب الأعمدة الصحفية بحملة استنكار لما جرى من تصريحات تعدّ ركلًا للمشكلة إلى الأعلى، وهروبًا غير موفّق من مواجهتها.
إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، يا معالي الوزير، والوزارة بمنجزاتها الجيدة على أرض الواقع قادرة على إقناع الناس، وتغيير أفكارهم، لكن الذي يحدث أن القطيعة بين الوزارة والمواطنين كبيرة، والفجوة واسعة لن تجسّرها الوعود
ونظريات البرج العاجي، فالمواطنون يقولون بلسان واحد: لقد أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا.