تواصل » صحف ومجلات

أوهام الشراكة مع «إسرائيل»

في 2015/11/14

الخليج الجديد-

تتردد في الإعلام الدولي، بين الحين والآخر، أنباء عن تطورات دراماتيكية في مستوى العلاقات بين «إسرائيل» والدول العربية، بحيث تتجاوز الاتفاقيات الثنائية والمحدودة الطابع والأهداف، كما هو الأمر مع بعض الأقطار العربية. وفي الآونة الأخيرة ذهبت بعض الأوساط إلى التحدث عن مبادرات من هنا وهناك ترمي إلى إقامة تحالف عربي-«إسرائيلي» يقف ضد إيران ويحول دون هيمنتها على المنطقة.

تأكيداً لجدية هذه المبادرات، قارن أصحاب هذه التوقعات بين مشروع التحالف العربي-«الإسرائيلي»، من جهة، وتحالف بريطانيا والاتحاد السوفييتي ضد ألمانيا النازية من جهة ثانية.

فرغم العداء الشديد والمتبادل بين لندن وموسكو، فقد اتجه الزعماء في البلدين إلى التحالف مع بعضهما بعضاً بعد شعورهم بأن النازيين قد يتمكنون من بسط سيطرتهم على القارة بأسرها، بما فيها بريطانيا وروسيا. بالمقارنة يجد متوقعو الحلف العربي- «الإسرائيلي» اليوم أن الحافز إلى الحلف هو الصعود الإيراني والتخوف من سيطرة طهران على المنطقة العربية، خاصة في بلدان المشرق.

تبدو هذه التوقعات وما تضمنته من مقارنات تاريخية كأنها تستند إلى الفرضيات الرئيسية التالية:

1- إن إيران تشكل خطراً على المنطقة اليوم، كما شكلت ألمانيا الهتلرية خطراً على دول القارة الأوروبية.

غير أن هذه المقارنة تتجاهل الفرق بين موازين القوى بين إيران التي تضبط حركة إيران وتحركها خارج حدودها، وبين القوى التي كانت تناوئ ألمانيا النازية. فألمانيا كانت دولة كبرى، وهي كانت نداً للقوى التي حاربتها، وبعد ،ن تغلبت على فرنسا خيل لهتلر ،ن الطريق إلى إرضاخ القارة لمشاريعه التوسعية قد انفتح. من هنا وجدت بريطانيا نفسها، وأخذاً في الاعتبار عزوف الولايات المتحدة عن دخول الحرب حتى معركة بيرل هاربر، وحدها في الحرب ضد ألمانيا و،نه لا مناص من التحالف مع روسيا.

بالمقارنة فإن إيران هي قوة متوسطة وإقليمية، فإذا اندفعت طهران في طريق المغامرات العسكرية، كما فعل هتلر في أوروبا، فإنها لن تكون مهددة بالاصطدام بقوى إقليمية، مثل مصر والسعودية وتركيا والباكستان فحسب، بل سوف تكون معرضة للاصطدام بقوى كبرى أيضاً، مثل دول الأطلسي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

إن هذا الوضع يضع سقفاً لتحرك إيران ضد جيرانها. ولنذكر هنا أنه رغم الدعاية الواسعة التي تحيط بالقوات المسلحة الإيرانية، فان الجمهورية الإيرانية لم ترسل جيشها، علناً، إلى خارج أراضيها للتأثير في الأوضاع في الدول العربية أو غير العربية.

ولا ريب في أن للشطارة السياسية دوراً في الابتعاد عن مثل هذا السلوك، وأن حكام طهران رغم مظاهر التهور التي تطبع تصرفاتهم أحياناً، فإنهم يحسنون قراءة موازين القوى واتجاهات السياسة الدولية والإفادة من المغامرات التي خاضها الأمريكيون في العراق.

2- إن «إسرائيل» دولة طبيعية تلتزم بمبادئ الصداقة والتحالف والشراكة بين الدول وبين الشعوب.. إن التجارب التاريخية تنفي هذه الفرضية. فالمنظمات الصهيونية التي أسست الكيان العبري انقلبت على بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور، وعلى السلطات البريطانية في الشرق الأوسط التي مهدت الطريق إلى قيام «الوطن القومي اليهودي»، وقمعت بكل شدة نضالات الفلسطينيين من أجل تحقيق الاستقلال وممارسة حقهم في تقرير مصيرهم، وأفسحت المجال أمام تشكيل جيش صهيوني حارب مع الحلفاء بقصد اكتساب خبرة قتالية استخدمت لاحقاً ضد العرب. وخلافاً لما تقول به مبادئ الصداقة والتضامن بين الحلفاء، حاربت المنظمات الصهيونية القوات البريطانية في فلسطين، في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه بريطانيا الحرب على هتلر لأسباب جاء من بينها العداء للسامية ولليهود.

«آباء اسرائيل» من زعماء حزب العمل «الإسرائيلي» حملوا التيار التنقيحي الصهيوني بزعامة جابوتنسكي مسؤولية هذا السلوك، ولكن بعض المؤرخين مثل جوزف هيللر في كتابه «ولادة إسرائيل» يخصص صفحات عدة في وصف الدعاية الشوفينية المعادية للإنجليز كأمة، والتعاون الذي كان قائماً بين المنظمات الصهيونية العسكرية في تنفيذ أعمال إرهابية ضد السلطات البريطانية.

ان هذه الفصول من تاريخ الصهيونية و«إسرائيل» تضع على المحك فكرة «إسرائيل الطبيعية»، وتضع على المحك أيضاً مسألة التزامها بمبادئ وأصول التحالفات الدولية. وإذا كان هذا هو حال الصهيونية مع الذين عملوا بكل اندفاع، وبما يتناقض مع مبادئ العدالة الإنسانية من أجل تحقيق المشروع الصهيوني، فهل يكون حظ العرب الذين قاوموا المشروع الصهيوني أفضل من حظ الحكومات البريطانية مع الصهاينة؟

3 - إن الدول العربية بحاجة إلى التحالف مع «إسرائيل» من أجل ردع النزعة التوسعية الإيرانية.

ان مثل هذا التحالف، إذا قام سوف يخدم المستهدفين من قبله. فالرأي العام العربي وقسم كبير من النخب الحاكمة في المنطقة العربية وفي البلاد الإسلامية ودول العالم الثالث، لا يستسيغ أي تعاون أو تحالف مع «إسرائيل».

لو كان الأمر غير ذلك لما أرسلت الإدارة الأمريكية موفداً إلى «إسرائيل» خلال حرب العراق الأولى لكي يضمن امتناع «الإسرائيليين» عن أي تدخل علني في الحرب. فمثل هذا التدخل كان كفيلاً بتهديد تماسك القوات المحاربة ضد بغداد. وهذا التهديد كان قائماً أيضاً في الحرب الثانية ما دعا هنا أيضاً إلى تجنب المشاركة العلنية «الإسرائيلية» ضد العراق.

إذا كانت الإدارة الأمريكية تحرص على تفادي دفع تكلفة التحالف مع «إسرائيل»، فهل تستطيع الدول العربية تحمل الأكلاف السياسية لمثل هذا التحالف؟ ثم، ما الحاجة إلى هذا التحالف والبديل لا يزال قائماً وقابلاً للتفعيل؟ إن مؤسسات العمل العربي المشترك، لا تزال قادرة، إذا ما زودت بالتغطية السياسية الكافية وبالأهداف الواضحة، أن تضطلع بدور مهم في أحياء فكرة وسبل التعاون بين الدول العربية.