عبداللطيف الزبيدي- الخليج الاماراتية-
قد يكون الجزم بالشيء خطأ منهجيّاً، ولكن القطع ههنا حاسم، ففي بعض المواضع يكون فتح المجال للنسبيّة والاحتمال ضرباً من ضروب الاستهانة بالعقل. المحور: لماذا نبت التطرّف المقنّع بالدين، كالفطر خارج العالم العربيّ، وسرعان ما استشرى واستفحل كالنار في الهشيم في سنوات معدودات، وصار ملصقاً وعلامة مميّزة لصناعة عربية بامتياز، للاستهلاك (طلب الهلاك) العالميّ؟
لا عاقل يدور في خلده لحظة أن هذه الوصمة الحضاريّة عربية، فلا أصالة لها على الإطلاق ولا صلة لها بالشعوب العربيّة، بدليل اشتراك شذّاذ الآفاق في فظائعها، فتفشي الداء الخبيث في جسم، ليس دليلاً على أن البدن أنشأه وصنعه وغذّاه ونمّاه ورعاه. لا يمكن حتى لشبه عاقل أو نياندرتاليّ أن يتصور أن شعوباً عربية عدّة، قتلت وجرحت وشوّهت وهجّرت مئات الألوف من أمهاتها وآبائها وأخواتها وإخوانها وبناتها وأبنائها، ودمّرت القرى والبلدات والمدن والمحافظات، بدوافع قيم دينيّة. ما هكذا يكون لدى الشعوب الجنون، ولا هكذا ينطلي على الناس الضحك من الذقون.
للأسف،حُفّت سياسات النظام العربيّ دائماً بالسخرية، فلم يعرف قط أساليب وقاية الجسم العربيّ من الجراثيم والفيروسات الفتّاكة. وعندما حلّ عصر الحاسوب، صار حتى المبتدئ يعرف أهمية مضاد الفيروسات، في حين كانت أنظمة كثيرة لا تحسب حساباً إلاّ لأمنها هي، وتنظر إلى الشعوب كما لو كانت مكمن الداء. وكان ذلك هو الخطأ الذي أصابها في مقتل. تلك النظرة الخاطئة كانت هوّة الطلاق الروحيّ والجسديّ بين القيادة والشعب.
أنظمة طبائع الاستبداد كانت تتوهم أنها خبيرة بالسياسة وتسيير شؤون الدول وإدارة الأزمات، فضربت عرض الحائط بكل ميادين التنمية، ومارست القمع والتهميش وعاثت الفساد، فهيّأت للمخططات المشؤومة عناصر جاهزة لغسل الدماغ، مستعدّة للخراب والدمار ضدّ أعظم قيم الانتماء لأوطانها وأمّتها. في الجسم تريليونات الخلايا، ويكفي فيروس واحد، وهو أصغر من الخليّة، لقراءة الفاتحة على بلدان كانت لها حياة ووجود، ولو بصورة نسبيّة محدودة.
لزوم ما يلزم: النتيجة المَخبريّة: الشعوب العربية بريئة. عدم توفير التنمية الشاملة هو الذي يجعل المخططات الخبيثة، تتلاعب بالجينات، تحوّل خليّة الآدميّ إلى بيضة تمساح.