شتيوي الغيثي- الوطن السعودية-
فشل المناصحة أو نجاحها لن يقدم أو يؤخر ما دام الفضاء الثقافي يميل إلى التوتير بين أبناء المجتمع المتعدد بطبيعته، وما لم تؤخذ عليه تطوير أفكار المواطنة والتعايش بشكل منهجي فعلي فإن تولد التطرف أو عودة الخاضعين للمناصحة إلى التطرف سوف يتكرر
المعالجة والتأهيل الفكري كانا من الوسائل في تصحيح مسار عدد كبير من أبناء المجتمع السعودي الذين انخرطوا في التنظيمات الجهادية أو ساعدوا عددا من المطلوبين أمنيا، إما تعاطفا واقتناعا فكريا، أو ربما جهلا بتبعات المساعدة.
عدد كبير خضع إلى برنامج المناصحة فأعيد تأهيله، وعدد آخر حتى الآن ما زال كما هو على قناعاته إلى أن دخل السجن بسببها من تطرف فكري ومفاصلة مع الدولة والمجتمع، كما أن عددا خرج بعد أن أعيد تأهيله لكنه انقسم إلى قسمين: قسم واصل حياته بشكل طبيعي ونجحت معه عمليات المناصحة، وقسم آخر عاد إلى ما كان عليه من تشدد وتطرف، والبعض منهم عاد لينخرط في التنظيمات من جديد كان آخرهم الذي فجر في أحد مساجد نجران، كما تطالعنا قوائم المطلوبين بأن عددا منهم ممن خضعوا سابقا للمناصحة وخرجوا بعد تأهيلهم، ففي خبر نشرته "الحياة" في 6 نوفمبر 2014 عن إحدى قوائم المطلوبين وعددهم 22 مطلوبا "أن 11 عنصراً من أفراد الخلية كان تم إطلاق سراحهم من السجون بعد توقيفهم في قضايا أمنية، وخضعوا لبرنامج المناصحة".
أما النسبة الرسمية التي تتحدث عن المستفيدين من المناصحة فهي كبيرة، ففي موقع العربية نت 23 فبراير 2013 أعطى التقرير نسبة عالية من استفادة بعض الموقوفين، حيث "استفاد أكثر من ثلاثة آلاف من برنامج مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية للتخلي عن فكر التطرف والتكفير، ونجح المركز في إعادة وتصحيح 92% ممن خضعوا لفترة المناصحة، وهذه نسبة يراها القائمون على المركز بأنها مشجعة وناجحة للقضاء على جذور الإرهاب في عقول المغرر بهم"، ما يعني أن قرابة الـ10% لم يستفيدوا.
جاء في العربية نت أيضا 2-4-2009 أن مستشاراً في وزارة الداخلية السعودية قال: "إن نسبة من عادوا إلى اعتناق الفكر الضال بعد أن تمت مناصحتهم تبلغ نحو 10%، مؤكداً أنها نسبة قليلة كثيرا إذا ما قورنت بالعائدين إلى تعاطي المخدرات؛ حيث تمثل نسبة العائدين إلى التعاطي نحو 75%".
وبحسب النسب في التقارير السابقة تعتبر في صالح المناصحة وهي تبعث على الفأل في نجاحها، لكن الإشكالية تبرز فيما بعد خروج هؤلاء الشباب وانخراطهم في المجتمع حيث عودة بعضهم إلى صفوف التنظيمات مما يجعل الأمر مقلقاً فأين الخلل إذا كانت كل هذه النسب في صالح لجان المناصحة؟
في مقال يوسف أبا الخيل في صحيفة الرياض: (رجعوا إرهابيين بعد مناصحتهم) طرح رأيا قال فيه: "ربما تكمن مشكلة لجان المناصحة، إن صح ظني، في أنها تنطلق في مناصحتها للإرهابيين من منطلق تكييفي: فقهي عقدي، يعتمد على إنتاج فقهاء دونوا فقههم السياسي والعقدي، إن فيما يخص العلاقة بين المذاهب، أو ما يخص العلاقة بين المسلمين وغيرهم، انطلاقا من سياق سياسي اجتماعي لم يعد متوفرا في العصر الحاضر: عصر الدول القطرية ذات الحدود المحددة، والتي هي أعضاء في منظومة دولية، يحكمها قانون دولي يحرم على كل منها أن تتدخل في شؤون بعضها... ظن أن آلية المناصحة، مع حفظنا وتقديرنا لجهود أعضاء اللجان، تفتقر إلى فكر معاصر يتخذ من التأويلات المعاصرة لكثير من النصوص التي تكيف العلاقات بين المسلمين وغيرهم من أهل الملل والنحل الأخرى، وبينهم وبين بعضهم كطوائف ومذاهب. تلك التأويلات التي تتخذ من قاعدة السلم وحسن المعايشة والجوار والبر والقسط أساسا لها". (بتصرف)
في تصوري أن ما ذكره أبا الخيل في مقاله يقترب من التحليل السليم، لكنه وضع اللوم فقط على لجان المناصحة، وفي رأيي أن المسألة أعقد من ذلك، إذ إن الفضاء العام في العام العربي، بما فيه السعودية، هو فضاء تاريخي، بمعنى أنه ينتمي في منظومته الفكرية إلى سياق ما قبل مفهوم الدولة الحديثة، بحيث تشكلت كل المناهج الفكرية والمدرسية والأكاديمية والرسمية وغير الرسمية والحلق العلمية من ذلك الفضاء، ولنقلها صراحة إن أغلب أفراد المجتمع لهم مواقف متوجسة من المذاهب المختلفة أو أصحاب الآراء المختلفة وينطبق هذا على المذاهب كلها سنتها وشيعتها تجاه بعضهم، ولم تنفع أفكار المواطنة في تفعيل التقارب إلا على مستوى النخب الثقافية دون الاجتماعية، إذ يمكن بسهولة أن تجد الكثيرين يكفرون أبناء الطوائف الأخرى المختلفة، بل لهم مواقف حادة من المختلفين معهم، لكونهم طالبوا بحقوق المواطنة لغيرهم والتعايش وأدانوا تكفير غيرهم، ولذلك فالفضاء الثقافي هو فضاء شبه مختطف ولا تكفي لجان المناصحة -على رغم اتفاقي مع أبا الخيل فيما طرح- في إعادة تأهيل هؤلاء لأن التفكير الجمعي غير الواعي في سياق مقابل مفاهيم الدولة الحديثة، لذلك الغرباء في المجتمع ليسوا المتطرفين فمحاضراتهم في كل مكان وإنما هم المثقفون الذين يدعون إلى المواطنة والتسامح والتعايش والحقوق العامة والخاصة.
فشل المناصحة أو نجاحها لن يقدم أو يؤخر هنا ما دام الفضاء الثقافي هو فضاء يميل إلى التوتير بين أبناء المجتمع المتعدد بطبيعته ككل مجتمعات العالم، وما لم تؤخذ عليه تطوير أفكار المواطنة والتعايش بشكل منهجي فعلي فإن تولد التطرف أو عودة الخاضعين للمناصحة إلى التطرف سوف يتكرر، فضلا عن أولئك الذين ذهبوا إلى خارج الحدود السعودية في مناطق التوتر كسورية والعراق.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleId=28572