بينة الملحم- الرياض السعودية-
كل الكوارث تحمل في طياتها الدروس والتي كُتبت بدماء الضحايا، يجدر بِنَا التوقف وإعادة التفكّر مجدداً خاصة مع أزمة باتت تهدّد العالم برمّته وتتنقل بين دوله بحرية وتجند جيوشها عن بعد وبأبسط السبل وأقل التكاليف كالإرهاب. سلسلة تفجيرات باريس والتي قتلت حتى ساعة تحرير المقال ١٢٨ قتيلاً و ٩٩ مصاباً في ١٤ نوفمبر ٢٠١٥، بلا شك هي كارثةً أمنية وإنسانية هزّت العالم أجمع وليس باريس وحدها وعلى كل المستويات، وهي جريمة أعتقد أنه يجب أن تغيّر من التعاطي الأجنبي والغربي في التعامل مع الأزمة على أساس مصادر الإرهاب وأسبابه منذ واقعة أحداث ١١ سبتمبر والتي مضى عليها ما سيقترب من عقدين من الزمن وإن كان قد نجح شيء فليس أكثر من نجاح إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والمسلمين أكثر وأكثر.
تصورت في وقت سابق أنه سيبدأ التحول فعلاً في هذا التعاطي بعقد خبراء مكافحة الإرهاب بالاتحاد الأوروبي اجتماعهم الطارئ في 28 (تموز) يوليو ٢٠١١، وفي البيان الذي أصدروه جاءت الفقرة الضرورية التالية:"إن قضية الإرهاب الفردي الإيديولوجي والعقائدي في حاجة إلى المزيد من الاهتمام".
ليس أسوأ من عمل تفجيرات باريس الإرهابية سوى خبر وقف تأشيرة الشينغن وحصر السفر إلى باريس بمواطني دول الاتحاد الأوروبي فقط!
إن حصر معنى الإرهاب بشعوب ودول بعينها وبكاملها لن يحل الأزمة الفكرية المتطرفة الضاربة في أعماقها بأوروبا نفسها.
منذ 11 سبتمبر والعديد من الدول العربية والإسلامية تأخذ احتياطاتها الأمنية لمواجهة الإرهاب وتقودهم في ذلك المملكة؛ في مكافحة الإرهاب والقضاء عليه ولم تجد الدول الإسلامية حرجاً من الحديث عن الإرهاب وتنظيم مسار مكافحته ولم تتنكّر لكل من استطاعت جماعات الإرهاب وتنظيماته ومن يدعمها ويتبناها ويديرها حينما استطاعت أن تجنِّد من أبناء المسلمين ليكونوا هم أدواتهم في معركة الإرهاب وورقة اللعب السياسية في مسرح استخبارات الدول التي تؤويه وتحتضن جماعاته وتنظيماته!
أذكر كتبتُ في هذه الزاوية منذ أن بدأ ما سمي ب"الربيع العربي" أن الإرهاب في صورة ما كان يسمى بالقاعدة وقبل ولادة داعش الغريب، أن الربيع العربي لم ينه القاعدة بل منحها قوة إضافية وأن القاعدة ولدت من جديد ولادة رابعة، وهي إن ترك لها المجال لأن تعيد شكل وحجم وجودها في دول الربيع زوراً أكثر فإن الكرة ستعود وستعود من جديد بشكلٍ أقوى مما كانت عليه.
لم يعد سراً ولا خافياً وقد انكشفت مسرحية الإرهاب؛ وتجاوزه بورصة دول السياسة إلى استثمار دول فيه، وكم أخشى أن يتحوّل الإرهاب من بعبع يخيف من اخترعه ذاته قبل أن يهدد العالم ومن يُستهدَف به إلى شرطي العالم نفسه!