تواصل » صحف ومجلات

سلطنة عمان تتطلع شرقا

في 2015/11/17

الخليج الجديد-

تمحور عدد كبير من التحاليل مؤخّرًا حول سياسة عمان الخارجيّة، وكبلد لا يكنّ أيّ عداء لأيّ حكومة في العالم، وكمنظّم ومضيف للمحادثات الدّبلوماسيّة بين الخصوم العالميّين، أُطلِق على عمان لقب سويسرا الشرق الأوسط. وبما أنّ عمان هي صاحبة أفضل العلاقات مع إيران من بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، شكّلت مسقط طوال عقود جسرًا دبلوماسيًا بين الجمهوريّة الإسلاميّة ودول الخليج العربي وحلفائها الغربيّين.

بالفعل، ساهمت تحرّكات مسقط الاستراتيجيّة على الصّعيد الدّبلوماسي مؤخّرًا في كتابة تاريخ العالم، ففي تموز/يوليو 2012، استضافت عمان محادثات سرية بين مسؤولين أميركيّين وإيرانيّين تتوّجت بالاتّفاق النووي الإيراني البارز الذي جرى توقيعه في وقت سابق من العام الحالي في النمسا.

وفي وقت ليس ببعيد، إنّ الفورة في أنشطة عمان الدّبلوماسيّة الهادفة إلى الحلّ السّلمي للأزمات في سوريا واليمن، تصدّرت أيضًا العناوين في الصّحف الدّوليّة.

وفي حين تواصل عمان لعب أوراقها الدّبلوماسيّة الفريدة من نوعها في المنطقة، تلحق السلطنة أيضًا بغيرها من دول مجلس التّعاون الخليجي في تحويل اهتمامها شرقًا نحو الصّين. نشأت علاقات دبلوماسيّة رسميّة بين عمان والصين في العام 1978، وقد شكّل تعطّش الصّين للنفط العامل الأكثر تأثيرًا في رسم العلاقات الصّينيّة العمانيّة.

لكن في السنوات الأخيرة، توسّعت العلاقة بين مسقط وبكين لتشمل قطاعات غير نفطيّة، ممهّدة بذلك الطّريق أمام الدولتين لإقامة شراكة أقوى طويلة الأمد.

يعود تاريخ العلاقات بين البلدين إلى ما قبل الإسلام، إذ كانت عمان ترسل بعثات تجاريّة إلى الصّين منذ القرن الرّابع. وبحلول القرن الثّامن، يقال إنّ العمانيّين أدخلوا الإسلام إلى شرق الصّين، بحسب سفير الولايات المتّحدة السابق في عمان غاري غرابو.

في العام 1983، أصبحت عمان الدّولة العربيّة الأولى التي تصدّر نفطها إلى الصّين، واعترفت بكين بأنّ السّلطنة تؤدّي دورًا هامًا في سعي الصين إلى الحفاظ على إمدادات الطّاقة الشّرق أوسطيّة.

وعلى مرّ السّنوات، أصبح استهلاك الصّين للنفط العماني حيويًا لاقتصاد الدّولتين على حدّ سواء. فالصّين هي أكبر شريك تصدير لعمان، وقد شكّلت الصّادرات الصينيّة العام الماضي 43% من صادرات البلد (واحتلّ كلّ من الإمارات العربيّة المتّحدة وكوريا الجنوبيّة المرتبتين الثانية والثالثة بنسبة 10% و8% على التوالي)؛ وعمان هي رابع أكبر شريك تجاري للصين في منطقة الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومع أنّ النّفط ما زال هو المهيمن على التّجارة بين الصّين وعمان، اتّسع نطاق العلاقات الثّنائيّة بين البلدين. فمنذ العام 2005، تقيم حكومتا البلدين مشاورات استراتيجيّة سنويّة لمعالجة موضوع القرصنة في خليج عدن وغير ذلك من التهديدات الأمنيّة الدّوليّة. وفي العام 2010، أطلق كلّ من مسقط وبكين «جمعيّة الصداقة العمانيّة الصّينيّة» لتعزيز العلاقات في القطاعات الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والثّقافيّة والعلميّة.

وبحسب «محمد ذو الفقار رحمت»، وهو خبير في العلاقات بين الصّين ودول مجلس التعاون الخليجي، وقّعت شركات عمانيّة وصينيّة على صفقات بناء لمصنع لتوليد الطّاقة ولمشاريع بنى تحتيّة، بما في ذلك ميناء ومرافق لبناء السّفن وإدارة المياه. نجد أكثر من 40 شركة صينيّة تمارس أعمالها في عمان.

ويشير «رحمت» أيضًا إلى أنّ تطوّر العلاقات بين عمان والصّين أخذ طبيعة ثقافيّة وإنسانيّة. فعلى سبيل المثال، اتّفقت مسقط وبكين في العام 2007 على إنشاء مركز للدّراسات العربيّة في جامعة بكين في الصّين، وزار أكثر من 3 ملايين صيني جناح عمان في إكسبو شانغهاي الصين 2010. بالإضافة إلى ذلك، استجابت عمان على زلزال سيشوان في العام 2008 عبر تزويد البلاد بـ350 وحدة سكنيّة، فضلاً عن مرافق طبيّة وتعليميّة.

يبدو أنّ مسقط تستفيد أيضًا من توسيع علاقتها مع الصّين من أجل بسط النفوذ العماني في شرق إفريقيا؛ ففي الشّهر الماضي، بدأت عمليّة بناء ميناء بقيمة 10 مليارات دولار في باجامويو في تانزانيا (حوالي 50 ميلاً شمال دار السّلام)، وهي منطقة اقتصاديّة خاصّة في الدّولة الواقعة بشرق إفريقيا.

وهذا الميناء هو مشروع مشترك بين شركة تجار الصين الدولية القابضة المحدودة، وهي تكتّل شركات مقرّه في هونغ كونغ؛ وصندوق الاحتياطي العام لدولة عمان، وهو صندوق للثّروة السّياديّة في عمان؛ وحكومة تانزانيا. رحّب الرّئيس التّانزاني جكايا كيكويتي بالمشروع، وأشاد به باعتباره وسيلة لإحداث «ثورة صناعيّة في تانزانيا».

إنّ مناطق التّجارة الحرّة العمانيّة تقدّم للصّين نقطة دخول مستقرّة سياسيًا إلى العالمين العربي والإفريقي من أجل بيع المواد الاستهلاكيّة المنخفضة الثّمن والقيام بالاستثمارات. بالمقابل، إنّ العلاقة القويّة مع الصّين تسمح لمسقط بأن تكون أكثر استقلالاً عن الغرب.

وعبر تعزيز العلاقات مع الصّين، يتمّ الحدّ من المخاطر السّياسيّة الناتجة من ظهور عمان على تحالف وثيق مع الولايات المتّحدة والمملكة المتّحدة. (يمكن قول الأمر عينه عن علاقة عمان النامية مع إيران). بعد أنّ شنّت الولايات المتّحدة حروبًا في أفغانستان في العام 2001 وفي العراق في العام 2003، قمعت الشّرطة العمانية بالقوّة المتظاهرين الذين كانوا يحتجّون على سياسة الولايات المتّحدة الخارجيّة.

وبحسب الخبراء، عبّرت هذه المظاهرات أيضًا عن رفض تحالف عمان مع واشنطن ولندن. في الواقع، قبل العام 2004، استعمل الجيش الأميركي مرافق عمان لعمليّاته في أفغانستان والعراق.

وبالتطلّع إلى المستقبل، يبدو أنّ علاقة عمان مع الصّين، التي تُعتبَر أكبر الاقتصادات في العالم، لها قدرة كبيرة على التطوّر. لم يكن لبكين أيّ دور عدائي في الشرق الأوسط منذ ثورة ظفار التي انتهت في العام 1976. ومع أنّ موضوع حقوق الإنسان في سنجنغيانغ (تركستان الشرقية) ودعم الصّين للنّظام السوري أدّيا إلى انتقاد عرب الخليج المحافظين لبكين، لا يبد «الشارع العربي» تجاه الصين المشاعر السّلبيّة عينها التي يبديها تجاه الولايات المتّحدة.

لذلك، يواجه النظام الملكي الحاكم مخاطر سياسيّة أقلّ عبر تعزيز علاقاته مع بكين. أمّا من النّاحية الاقتصاديّة، فالطّلب على الطّاقة من قبل الطّبقة الصّينيّة الوسطى سيضمن بقاء أكثر بلدان العالم اكتظاظًا الوجهة الأولى للصّادرات النفطية العمانية، بخاصّة أنّ الولايات المتّحدة تصبح تدريجيًا أقلّ اعتمادًا على النّفط الشّرق أوسطي.

في هذه المرحلة، إنّ المتغيّرات المجهولة المحيطة بمسألة الخلافة في عمان – السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد المريض البالغ من العمر 74 عامًا لم يسمّ وريثًا للعرش – تركت الكثير من المحلّلين يتكهّنون حول مستقبل الأمّة العربيّة الخليجيّة، سواء أكان على الصّعيد المحلّي أم الدّولي.

ومع أنّ مستقبل عمان سترسمه عوامل لا يمكن التّنبؤ بها، يصعب تخيّل الصين من دون دور متزايد الأهميّة كشريك استراتيجي حيوي لسلطنة عمان، بغضّ النّظر عمّن سيأتي خلفًا لقابوس.