شؤون خليجية -
قريبًا!.. الإصلاح والتغيير داخل المملكة السعودية.. هكذا خرجت التوقعات وامتلأت المواقع الإخبارية واحتفى المغردون بهذه الأنباء، التي حملت تارة توقعات بأن الإصلاحات ستكون سياسية، وتارة أخرى بأنها اقتصادية، فيما تحدث آخرون بأن الإصلاحات ستكون حقوقية وستهتم بالمرأة.
فمنذ أن تولى الملك سلمان مقاليد الحكم والأنظار تترقب الخطوات الإصلاحية التي ستتم داخل المملكة، إلا أن الدخول في حرب اليمن منذ مارس 2015، أرجأ تلك الأحاديث جانبًا، وأشار المراقبون إلى أن الملك سلمان يؤمن المملكة من الخطر الإيراني الخارجي أولًا، حتى يتفرغ للإصلاحات الداخلية.
توقعات بإصلاحات داخلية وحريات
في البداية توقع الكاتب والمحلل السياسي السعودي إبراهيم الشدوي، أن تقوم المملكة بإصلاحات داخلية كثيرة، والاهتمام بالمواطن بقدر أكبر، وإعطاء حرية في إبداء الرأي للوصول إلى هدف سامي في المجتمع يخدم جميع المواطنين، ويتم أخذ الرأي والمحاورة من جميع أطياف الشعب السعودي.
كما توقع "الشدوي" في تصريحات خاصة لـ"شؤون خليجية"، أن يأتي على رأس هذه الإصلاحات إطلاق صراح المسجونين في الرأي العام، وبعض السياسيين الذين يطالبون بإصلاحات منذ مدة طويلة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة إن تمت سوف تحسب لخادم الحرمين الشريفين في احتوائه لشعبه ووطنه كأب حنون.
وأضاف أن من ضمن الإصلاحات زيادة محاربة الفساد الذي استشرى وكبر في المجتمع، ومحاولة تقوية الالتحام والاتصال بين جميع أطياف المجتمع السعودي، لافتًا إلى أن من ضمن الإصلاحات المتوقع أن تتم، محاربة البطالة والنظر إلى الشباب بنظرة أكثر جدية، وتهيئة ظروف حصولهم على وظائفهم وتمكينهم من النهوض بهذا المجتمع.
وأوضح أن الإصلاحات القادمة التي سوف تقوم بها السعودية بإذن الله، هي أن تزيد من عنصر الأمن والأمان لهذه البلاد، رعاها الله، مشيرًا إلى أن الدول العربية كان عليها أن تعمل إصلاحات داخلية في مجتمعاتها قبل الثورات العربية.
وتابع "الشدوي": "لو تم ذلك لما حدثت هذه الثورات، وأي إصلاح ممكن أن يحدث في دولة عربية لم يقم بها ثورة، يعد خطوة استباقيه لضمان حياة وعيش كريم في مجتمع ينشد الرقي في حياته".
المملكة تحتاج لإصلاحات سياسية
وسبق أن قال الكاتب والمحلل السياسي السعودي، سليمان العقيلي، إن الحريات في المملكة تتطور وهي مكفولة بقوة القانون والنظام الأساسي للحكم.
وأضاف في حوار خاص قبل أيام لـ"شؤون خليجية"، أن المملكة مثل غيرها تحتاج إلى استمرار التطوير والتجديد والإصلاحات السياسية، من أجل أن يساير النظام السياسي عصره ويتقوى بتجديد نفسه، معربًا عن أمله وثقته بالملك سلمان وعضيديه الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان، في دفع عجلة الإصلاح، وأن تشهد البلاد إصلاحات جوهرية ربما تطال مجلس الشورى ومجالس المناطق والمجالس المحلية، وتطوير دورها في صنع السياسة الداخلية والتنموية.
خطة لإصلاح الاقتصاد والحقوق
وقبل أيام، نشرت صحيفة (الديلي تلغراف) تقرير لـ"ريتشارد سبنسر"، محرر الشرق الأوسط، بعنوان "تغيير سعودي لتهدئة المواطنين المتعطشين للتغيير"، وأكدت الصحيفة في تقريرها أنها اطلعت على وثيقة خاصة من حكام السعودية تحتوي خطة شاملة للتغيير "تشمل إصلاحات تتعلق بالاقتصاد ودور المرأة والسماح لجماعات حقوق الإنسان بدخول البلاد لأول مرة"، على اعتبار أن "أسلوب إدارة المملكة منذ تأسيسها منذ قرن يجب أن يتغير".
ونقلت الصحيفة عن الحكام الجدد في المملكة، امتعاض بعض الأمراء (خصوصًا من كبار السن) من العائلة المالكة، من التغييرات الجديدة المزمع المضي بها، إضافة إلى الأسلوب الذي تم فيه أبعادهم عن الحكم واستبدالهم بالأمراء الأصغر سنًا (محمد بن سلمان ومحمد بن نايف باعتبارهما من سيقود البلاد بعد وفاة الملك سلمان بن عبد العزيز)، وتقول الصحيفة إنه "توجد مزاعم عن أن أمراء غاضبين يريدون تدبير انقلاب لاستبدال الملك بأحد إخوته".
لكن الغريب في أمر الوثيقة والإصلاحات المتوقع أن يجريها هؤلاء الحكام على أسلوب إدارة المملكة، والتي قد جبهت بالرفض (حسب ما تم نقله)، لا تتناسب والطريقة التي أديرت بها البلاد بعد وفاة الملك السابق (عبد الله بن عبد العزيز)، وقدوم أخيه الملك (سلمان بن عبد العزيز) إلى الحكم، ليستبدل الخط الأول في الحكم بالمحمدين.. الأول ابنه الشاب (29 عامًا) القليل الخبرة في الحكم والإدارة.. والثاني ابن أخيه (56 عامًا) الرجل الأمني المقرب من الأجهزة الاستخبارية في الولايات المتحدة الأمريكية.
خطابات ملكية ورسائل تطالب بإصلاحات
ولم يكن الحديث عن الاحتياج لإصلاحات بالمملكة على لسان الأمراء الذي نقلته صحيفة (الديلي تلغراف)، هو الأول من نوعه، فسبق أن سرب نشطاء عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، خطابًا أرسله الملك سلمان بن عبد العزيز لوزير المالية للسعودي، لاتخاذ عدد من الإجراءات التي تنبئ بتدهور الأوضاع الاقتصادية بالمملكة، والذي جاء مؤكدًا لما جاء برسالتين منسوبتين لأحد أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، تم تداولهما بين أفراد العائلة المالكة عبر "الواتس آب"، الأولى بعنوان "نذير عاجل لكل آل سعود"- أكد صحتها الأمير سعود بن سيف النصر- حفيد الملك سعود بن عبد العزيز ملك السعودية الأسبق عبر حسابه بتويتر، والثانية متممة للرسالة الأولى ومفسرة لبعض النقاط التي جاءت فيها.
وتضمنت رسالة الملك سلمان لوزير المالية توجيهات باتخاذ عدد من الإجراءات لإنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد، وهي الإجراءات التي أكد خبراء الاقتصاد والمراقبون للشأن السعودي أنها متوقعة، في ظل انخفاض أسعار النفط ودخول المملكة في حروب دفاعًا عن الشرعية في اليمن، رغم محاولات شركات العلاقات العامة والإعلام السعودي لتحسين صورة الاقتصاد. فيما يرى آخرون أن الظرف المالي الصعب بالمملكة هو نتيجة طبيعة لما يحصل من نهب للميزانية، كرواتب ونفقات الأمراء، بالإضافة إلى دعم النشاطات الحربية والإرهاب.
وطالبت الرسائل التي تداولها أفراد العائلة المالكة بخطوات إصلاحية عاجلة، منتقدة التدهور الحاد للأوضاع السياسية والاقتصادية، والانخفاض الحاد في أسعار النفط، والزيادة الهائلة في الدين العام.
تعديلات لسياسات الإنفاق والإيرادات
يشار إلى أن صندوق النقد الدولي، قال الشهر الماضي، إن المملكة تدرس مجموعة واسعة من التعديلات المحتملة على سياسات الإنفاق والإيرادات للتكيف مع هبوط أسعار النفط، حيث تشير تقديرات صندوق النقد إلى أن المملكة تواجه عجزًا قياسيًا في الموازنة يتجاوز 100 مليار دولار هذا العام، بما يمثل 21.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع تقلص إيرادات النفط.
وقال مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي لـ"رويترز": إنه "من الواضح أن المملكة بحاجة إلى إجراء تعديلات مالية كبيرة وهيكلية تستمر عدة سنوات".
وكان وزير المالية إبراهيم العساف، قد قال الشهر الماضي، إن الحكومة بدأت في خفض النفقات غير الضرورية، مع الاستمرار في التركيز على مشروعات التنمية الأساسية، لكنه لم يخض في تفاصيل.
وقال "أحمد" إن الإصلاحات المالية السعودية قد تشمل أربعة جوانب رئيسية، أحدها تعديل فاتورة الدعم المكلف الذي يبقي على أسعار الطاقة عند مستويات متدنية، والثاني دعم إيرادات القطاع غير النفطي عبر فرض ضريبة القيمة المضافة. والثالث يمكن للحكومة توفير الأموال عن طريق تحسين كفاءة المشروعات الاستثمارية، أما الرابع والأخير فهو السيطرة على الإنفاق الحالي عبر ترشيد فاتورة رواتب القطاع العام؛ وبدأت المملكة في اتخاذ خطوات أولية نحو اثنين على الأقل من تلك المقترحات.
وتعليقًا على ذلك قال أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة: إن المملكة قادرة على هذه الإصلاحات المالية التي نصح بها الصندوق، حيث إن المملكة تحاول عبر دراسات خفض دعم الطاقة تدريجيًا، وبالذات الوقود، أسوة ببعض الدول الخليجية.
وأضاف أنه فيما يخص زيادة الدخل غير النفطي فإن المملكة وقعت الأشهر الأخيرة، اتفاقيات رفيعة المستوى مع العديد من الدول للكثير من المجالات، لجذب موارد أفضل للمملكة خلال الفترة المقبلة. وقال إن وزارة المالية بدأت قبل فترة بترشيد الإنفاق وخفض التكاليف في بعض البنود؛ فيما تسعى الدولة لتحسين كفاءة الإنفاق عبر التركيز على العديد من المشروعات التي ستدر دخلًا على الميزانية.