سعود كاتب-
يبدو أن الغرب أو بالأحرى العالم بأسره لم يكن ينصت جيداً للملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله عندما حذر قبل أكثر من عام من خطر تمدد الإرهاب، قائلاً: «لا بد أن تتم محاربة هذا الشر بالقوة وبالعقل وبالسرعة.. وبدون ذلك فإن الإرهاب سيصل الى أوروبا بعد شهر، وإلى أمريكا الشهر الذي بعده».
نعم، يبدو أن العالم لم ينصت جيداً، أو أنه تعمد ألا ينصت، فكانت النتيجة ما نراه اليوم من استفحال للإرهاب لم يسلم منه أحد، حيث صدرت قائمة الحوادث الإرهابية لعام 2015م كأحد أكثر الأعوام دموية وانتشاراً جغرافياً شمل دولاً في جميع أنحاء العالم.
قد يكتفي البعض بالقول بأن المشكلة هي أن بعض القوى العظمى مترددة وغير جادة في محاربة الإرهاب الدولي، والواقع المؤسف في تصوري أن الأمر لا يقتصر على مجرد ذلك، بل أنه يمتد - أو يجب أن يمتد- الى التساؤل بجدية عمن صنع تلك الوحوش أو اكتفى بغض الطرف عنها وهي تتخلق، أو ساهم في إرضاعها وتسمينها حتى نمت وتحولت إلى وحوش ضخمة تطال أطرافها الشريرة كل بلد على هذه الأرض. فكما أن القاعدة لم تولد من العدم، بل أنها وبلسان السيدة هيلاري كلنتون صناعة أمريكا التي انقلبت عليها وعضت يدها، فان داعش بالمثل لم تولد من العدم. وأبسط المسلَّمات التي لا يمكن لعاقل تصديقها بهذا الشأن هو أن الولايات المتحدة التي أعلنت عن رؤيتها للمياه على سطح كوكب المريخ عجزت وتعجز عن رؤية جيش داعش وهو يتحرك بحرية بآلياته ومعداته الضخمة في رقعة محدودة على سطح كوكب الأرض، أو أن القوة العسكرية الأمريكية ومعها الروسية غير قادرة -لو أرادت- على مسح داعش من الوجود العسكري في سوريا والعراق في غضون أيام قليلة!
مع كل الحزن والألم والغضب الذي نشعر به لسقوط هؤلاء الضحايا الأبرياء في باريس، وإحساسنا بكل ذلك الشعور من قبل تجاه ضحايا الإرهاب في السعودية ومصر والكويت والبحرين وتركيا ولبنان والعراق وسوريا واليمن، وفي كل مكان آخر في العالم، فإنه لا بديل اليوم عن اتحاد العالم بأسره بجدية وإصرار لتنظيف كوكبنا من داء الإرهاب، ولا بديل عن توقف الدول العظمى عن خلق الكيانات الإرهابية أو دعمها لتحقيق أهدافها السياسية، والذي ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه أسلوب خاطيء وخطير. أما الدول العربية وهي المتضرر الأكبر من الارهاب -والمشارك في مسئولية ظهوره- فلا بديل أمامها سوى تجفيف منابع الإرهاب، وضرب دعاة التحريض بكل حزم وقوة، وإدراك أن من الخطأ مواجهة التطرف بالتطرف والطائفية بالطائفية لأن ذلك لا يمكن أن ينتج حلولاً، بل مزيداً من التطرف والإرهاب.