شؤون خليجية -
كان يُدعى "فساد".. تركوه يكبر ويترعرع فـ "ساد"!.. هذا ما ينطبق على حال المدن السعودية الكبرى التي أغرقتها الأمطار الغزيرة والسيول، وهي المأساة التي تتكرر منذ أعوام مضت دون حل يذكر، ليجدد النشطاء والمغردون والكتاب الصحفيون التساؤلات المهمة: أين التحرك الحكومي لمواجهة تلك الكارثة قبل أن تتجدد سنويًا في الموعد نفسه؟، وأين الأموال الطائلة التي خصصت لاستحداث منظومة تصريف مياه الأمطار ومخرجات السيول، والتي قيل إنها تجاوزت الـ 93 مليار ريال، وهل من محاسب للمتسببين في هذه الكوارث؟.
واعتاد سكان "جدة" على وجه الخصوص كل سنة في موسم الشتاء، على تجدد الأزمة، بينما لا يزال شبح كارثة سيول جدة في 2009، يرعب المواطنين عند كل موسم، والتي أدت إلى مقتل ما يزيد على 100 شخص، وتسببت في دمار واسع في الممتلكات قدّر بمئات الملايين. بينما أعلن عن إجراء تحقيقات فيما اعتبر قضية فساد، حول أموال طائلة خصصت لاستحداث منظومة تصريف مياه الأمطار ومخرجات السيول.
واليوم تعيش جدة المشكلة نفسها، واشتكى مواطنون من عدم إنجاز مشروعات تصريف مياه المدينة، وتعج وسائل التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات التي تظهر حجم الكارثة المحدقة بالمدينة .
لا جديد.. جدة تغرق من جديد
كتب الصحفي السعودي إبراهيم محمد بادوود، مقاله اليوم الخميس، في صحيفة المدينة تحت هذا العنوان، مؤكدًا أنه "لا جديد"، "فالصور ومقاطع الفيديو التي تم تداولها أول أمس بشأن أمطار مدينة جدة، تكاد لا تختلف كثيرًا عن تلك التي تم تداولها عام 2009م أو2011م، فبعض الأنفاق أغلقت بعد أن امتلأت بالمياه، وبعض الطرق الرئيسة أغلقت بعد أن ارتفع منسوب المياه فيها، واحتجز بعض الأهالي في سياراتهم لعدة ساعات، كما أن بعض مقاطع الفيديو أظهرت بعض الشوارع وكأنها أودية تجري فيها مياه الأمطار، في حين أن مجرى السيول بجوارها خاليًا من مياه الأمطار، كما غرقت بعض الميادين الرئيسة في المدينة.
لا جديد، فقد غرقت جدة، وتكرر السيناريو نفسه، فبعض السكان عانوا وتضرروا وخسروا الكثير، في حين أكد المسؤولون أنهم بذلوا ما في وسعهم في متابعة الوضع ميدانيًا، وسعوا لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، سواء على مستوى فك الاختناقات المرورية أو سحب تجمعات المياه وتخفيف الأضرار بأكبر قدر ممكن، في حين هب المتطوعون إلى مد يد العون لكل من يحتاج، سواء في النقل أو الإسكان أو الإعاشة أو الخدمات الصحية.
لا جديد، فقد حُبست الأنفاس لحين انتهاء الأمطار، وتعطّلت المصالح، واحتُجز الناس في منازلهم ومركباتهم، في حين تفرغت بعض الجهات لتبادل الاتهامات عن أسباب القصور التي وقعت في بعض الخدمات، في حين سعى آخرون إلى تحميل كمية الأمطار التي هطلت أسباب وقوع الأضرار.
قد نسمع خلال الأيام المقبلة عن فتح تحقيقات بشأن بعض المشروعات التي أُنجزت، أو الشبكات التي أُعلن عن القيام بها، أو تشكيل لجان لحصر الجهات التي يثبت تقصيرها وإهمالها، أو صدور بعض القرارات الأخرى التي قد تُساهم في عدم تكرار ما حدث، على أمل ألا يتكرر السيناريو من جديد مع هطول الأمطار مستقبلًا .
جدة تشتكي إلى الله
وتفاعل كثيرون عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" عبر أكثر من هاشتاق، منها #جدة_تغرق _من _ جديد، و"أمطار جدة"، و"جدة الآن" الذي وصل لقمة لائحة التداول عالميًا، وجدة _تشتكي _إلى _الله، وكلها تتناول الأزمة وتطالب بمحاسبة المسؤولين، ملقين بالذنب في الأزمة على الفساد وغياب المحاسبة.
وقال المستشار الهندسي برجس حمود البرجس: "الأمانة: الكهرباء هي السبب.. الكهرباء: الأمانة هي السبب.. و#جدة_تغرق"، في مقاله اليوم بصحيفة "الوطن أون لاين" ، متابعًا عبر حسابه الرسمي بتويتر: "متى ما أرادت جدة الإصلاح عليها أن تعي أنه لا يمكن الإصلاح الأشخاص أنفسهم والآليات التي صنعت الخراب"، مؤكدًا أن: "جدة بحاجة إلى شركات (أجنبية) استشارية وهندسية وتنفيذية ضخمة سريعاً، وهيئة (مراقبة فساد) (أجنبية) تراقب عدم تدخل جماعتنا."
وقال ربيع حافظ: "السكوت على الفساد يتسبب في انتشار الفساد وأنه ساد"، وسخر د. علي العمري قائلًا: "خمس سنوات كافية لبناء مدينة!"
ويرى "ماجد حسم" أنها: "مخططات تبنى لصالح متنفذين في بطون الأودية، وأنفاق ومشاريع جديدة لا تصمد أمام شوية مطر.. بالفعل مشكلة جدة مشكلة فساد" .
من جانب آخر، حذر المشرف على معهد الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء في جامعة الملك سعود، الدكتور عبد الملك آل الشيخ، المواطنين الذين توجد مساكنهم أو استراحاتهم في بطون الأودية في السعودية، من عدم الاعتماد على وجود السدود لحماية المكان من فيضانات الأمطار، بسبب ضعف قدرتها الاستيعابية في حجز كميات وفيرة من مياه الأمطار الغزيرة، نتيجة ارتفاع مستوى الطمي في معظم أحواضها. وتوقّع أن يزداد معدل الأمطار السنوي على السعودية هذا العام من 25 إلى 30 في المائة، بسبب ما أحدثه الاحتباس الحراري.
أين المحاسبة؟
وبالرغم من المطالبات المتجددة بمحاسبة المسؤولين عن تجدد هذه الكارثة كل عام.. أثار خبر إلغاء جلسة محاكمة "الشخصيات الستة " في كارثة سيول جدة، قبل يومين، دون موعد محدد للجلسة القادمة، استياء وغضب المتابعين. يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات الأمير خالد الفيصل- أمير مكة المكرمة- والتي أثارت ضجة، حيث صرح بأن جدة لم تتضرر من أي، سيل..!، مؤكدًا أن تقارير أولية أفادت بأن انسداد القنوات هو السبب بعد أن توقفت المضخات التي تعمل بالكهرباء، وأن مشروع درء السيول والأمطار نجح بامتياز في جدة.
يذكر أن عدداً من المتهمين في كارثة السيول التي ضربت محافظة جدة 2009، بينهم «مسؤولون» وموظفون حكوميون، والذين صدرت بحقهم أحكام تقضي بسجنهم لأعوام عدة، تقدموا بـ «التماس» لإعفائهم من عقوبة السجن، إضافة إلى التماس لإعادة النظر في الأحكام التي صدرت ضدهم.
وأكدت المصادر، أن بعض المتهمين في القضية والذين صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية، قدموا خطابات «التماس» لإعفائهم من الأحكام، مرفقة بتقارير طبية تظهر ظروفهم التي تستوجب العفو عنهم، وغيرها من التقارير التي يسترحمون من خلالها في العفو عنهم، ولم تؤكد المصادر ما إذا تم قبول التماسهم خلال الفترة الماضية، أم تم رفضه.
وقد طغت جرائم التزوير وإساءة الاستعمال الإداري، والعبث بالأنظمة والتعليمات والتفريط في المال العام، وإزهاق الأرواح البشرية وإتلاف الممتلكات العامة، وإهدار أكثر من 100 مليون من أموال الدولة على ملفات المتهمين في كارثة السيول، إذ طلب «المدعي العام» من المحكمة إيقاع عقوبة تعزيرية على المتهمين في كارثة جدة بما يحقق المصلحة العامة، كون الأفعال التي ارتكبوها مخالفة صريحة للأوامر والتعليمات، وعدم مراعاة مصالح الوطن والعامة من الناس، وهو ما أدى إلى إزهاق أرواح البشر، الذين تجاوز عدد المتوفين منهم 100 شخص، بحسب تقرير الدفاع المدني، وإصابة 350 شخصاً.