مارلين سلوم- الخليج الاماراتية-
كلنا تلك المدينة الحزينة، فلم يعد في العالم من هو بمنأى عن الخطر، وبمنأى عن الفكر المتطرف المجرم.
الخبر قاس، يعد الجثث والضحايا ليقفز فوقهم مباشرة إلى تحليل الحدث.
الخبر لا يعرف الرحمة، لا يشعر برعشة يد إنسان يتصل بأخ أو أخت أو أبناء أو أصدقاء وكل أمنيته أن يأتيه جواب بصوت الحبيب ولو بكلمة ليبرد خوفه.
الخبر لا يسمع نبضات القلوب، ولا تمزقه صرخة وبكاء أبرياء، هم في حساباته إما شهود عيان وإما ضحايا مصابين.
المشهد الإعلامي ليس حزيناً بما فيه الكفاية. هناك شاشات تشارك في كل جريمة، حين تغتال المشاعر الآدمية ويصبح الخبر لديها مجرد نشرة، ومجرد «سكوب» ومباراة في أفضل تغطية. الخبر صار يمشي فوق جثث الأبرياء، ينقل مشاهد الدماء والأشلاء، ثم يذهب فوراً إلى الاستوديوهات لإجراء الاتصالات واستضافة المحللين الجاهزين المتأهبين دائماً لأي حالة طوارئ.
الشاشات تبدأ بتصنيف الخبر، البحث في «حيثياته»، متابعة «تداعياته»، «فك طلاسم» اللغز. الصحفي يصبح تحرياً ومحلِّلاً، المراسل يبحث عن دليل وينطلق إلى إشارات غير واضحة ويتبع خطوات الشائعات.. وأحياناً لا ترى عينه إلا ما يناسب توجهات القناة التي يعمل فيها.
الناس أرقام، الضحايا الأبرياء أرقام، إن زارتهم الشاشات في بيوتهم لاحقاً، فإنما من أجل تحويل مأساتهم إلى حكاية عاطفية.
لماذا تلعب القنوات دور الناقل للحدث، دون أن تسعىللارتقاء إلى مستواه؟ لماذا لا يفكرون كيف نصد الإرهاب ؟ شبعنا تحليلات من مذيعين وخبراء وكله كلام في كلام.. من يهتم بتوعية شبابنا وأطفالنا وجذبهم إلى الشاشة بغير الغناء والرقص؟
لا تجعلوا من الضحايا مجرد أرقام تقف في طوابير الرحيل، لا تتفّهوا الخبر، ولا تتفّهوا أطفالنا، فالمتربصون بهم ملاعين شياطين.
لماذا نقول: نريد «تنظيف الإعلام المرئي»؟ ماذا يعني ومن يعني؟ يعنينا كلنا أياً كانت وظيفتنا وجنسيتنا واهتماماتنا. نظافة الإعلام هي نظافة الفكر العربي والارتقاء به ليتمكن من مواجهة تنظيم إرهابي يخطط وينفذ بينما الجميع منهمك بقشور وتفاهات. ملابس المذيعة الفلانية تحدث ضجة إعلامية، «نيولوك»، بوتوكس، حذاء مغنية، شتائم مذيع.. وكأننا نعيش في رخاء الحياة ولا شيء يشغل بالنا سوى القشور، وحين تحدث كارثة تستنفر الشاشات بضع ساعات ثم تواصل وصلات الردح والتفاهة.
ماذا لو أعلنا أننا في حالة حرب وطوارئ إعلامية قصوى في العالم العربي؟ فمن واجبنا أن ننفذ خططاً ذكية لنحول شاشاتنا إلى منابر توعية بكل الأشكال المباشرة وغير المباشرة، الأكاديمية والفنية والمبسطة والمحببة.. لتصل الرسائل إلى عقول الشباب، وعقول كل من قرر الابتعاد عن أجواء «السياسة» كما يسمونها «ليريح دماغه من وجعها».
الإرهاب ليس «للكبار فقط» أيها الإعلام المرئي. الإرهاب لا يميز بين غني وفقير، بين كبير وصغير، بين سياسي ومدني، بين متدين وعلماني. الكل في نظره مجرد «مشاريع موت»، أشخاص يتحركون يمكن استغلالهم لتوصيل رسائل معينة وترهيب دول.
لذا فلتتغير خريطة الإعلام العربي، ولنحكي مع أطفالنا وشبابنا عن القتل المتنقّل، عن الفكر المتطرف، عن «داعش» الذي يستغل الأبرياء سواء عبر الإنترنت، فيسرقهم من وسط عائلاتهم وأمان كانوا يعيشون فيه ويحولهم إلى قنابل متفجرة وإرهابيين دمويين جزارين، أو عبر سرقة حياة أبرياء يشاهدون مباريات أو يأكلون في مطعم أو يسيرون في الشارع.. لا فرق عنده بين عربي وأعجمي، بين بيروت وباريس، بين أرض وجو.. كل الناس مشاريع موت. فمتى نصحو على هذه الحقائق ونتناقش بها علانية مع صغارنا على الشاشة؟
دعكم من تحليل أهل السياسة والكلام «الكبير» الذي يقولونه في برامج التوك شو والفقرات الإخبارية.. إنه تحصيل حاصل، وربما هناك كثر من الناس العاديين وغالبية الجمهور يعرفون كل تلك المعلومات و«الخلفيات» «والتداعيات» وكل عائلة المصطلحات المماثلة وما وراءها. نريد أن نجذب عقول الشباب إلى الطريق الصحيح، لا أن نلهيهم بالأغاني والرقص فقط فنغيبهم عن الحدث، وتغيب عن عقولهم الحقائق، وبالتالي يصبح تفكيرهم خارج الواقع والزمن، يحلقون في عالم افتراضي غير واقعي، فيسهل «اصطيادهم» من قبل شياطين الإنترنت، وكل تنظيم إرهابي وكل عدو. كيف يخرجون من براثن الوحوش ويدافعون عن أنفسهم إن لم يمتلكوا سلاح الوعي والمعرفة ليقاتلوا به وبشراسة؟