تواصل » صحف ومجلات

نعم هناك إرهابي .. ولكن هناك شهيد

في 2015/11/21

أحمد الحناكي- الحياة البسعودية-

عندما أقبل الإرهابي إلى المسجد في نجران الصمود؛ ليفجر نفسه وسط الأبرياء، اعترضه البطل الشهيد الثمانيني علي آل مضرمة واحتضنه مانعاً إياه من ارتكاب مجزرة سيذكرها التاريخ على أنها من بشاعات تتداولها الأجيال يرتكبها «الداعشيون» كل يوم.

شيخنا الحق، قدم نفسه قرباناً؛ لأنه يفكر بالخير ويفكر بالإنسان، وعز عليه أن يسمح بجرم فادح حتى لو كان موته هو الثمن. هؤلاء الأبطال مثله وقبله الأربش وآل عيسى ورجال الأمن البواسل، يعطوننا كل يوم درساً في الوطنية والتضحية، ولا نملك لهم حقاً إلا الإعجاب والدعاء، وحفر أسمائهم في قلوبنا.

نعم، إن هؤلاء العظماء نبراس لنا ولأجيالنا اللاحقة، نفخر بهم ونتباهى، فهم من يضحون لنعيش، وليس كمن يفجر نفسه؛ كي ينشر ثقافة الموت في كل بقعة يرتادها هؤلاء المسخ من الناس. ما أجملك أيها البهي، أيها الجميل، وما أسعد أقربائك - ليس لرحيلك طبعاً- بعنوان الشجاعة والفروسية التي تجليت بهما عند دفاعك عن بني جلدتك. ظننا أن عهد الكبار وعهد النبلاء قد ولى، ولكنك أثبت لنا بما لا يدع ذرة للشك أن رحم هذا الوطن لا ينضب ولا يجف.

علي آل مضرمة لا يبحث عن مجد، ولا يبحث عن أضواء، ولا يكفر الناس، ولا يشكك بالمذاهب، ولا يتسلق، ولا يتملق، ولا يؤلب على أبناء وطنه، أو ينشر ثقافة الحقد والكراهية والمذهبية والعنصرية كما فعلها كثير غيره.

الإرهاب في كل مكان، لا يجب أن يجعلنا نميز في تفجير المدنيين الأبرياء مهما كانت ديانتهم، أو معتقداتهم، أو مذاهبهم، ومن يبرر التفجير الدموي في برج البراجنة في بيروت، لا يقل جرماً عن ذلك التبريري في أي قدم في بلادنا، أو في باريس، أو حتى أرضاً محتلة، فالمسألة هنا تتعلق بمبدأ راسخ لا يتغير. أثبتت الأحداث في باريس أن لا أحد بمأمن من الإرهاب، فقبلها إسطنبول وبيروت ونجران والطائرة الروسية في شرم الشيخ، ناهيك عن حوادث تجري بشكل روتيني في العراق وسورية.

باريس طبقت قانون الطوارئ للمرة الأولى منذ خمسين عاماً، مغامرة بإرثها التاريخي العظيم عن الحرية، والديموقراطية، فالقبضة الأمنية الحديدية تتعارض ومفهوم هذه الحرية. لست بصدد الحديث عن الإجراءات الفرنسية، إلا أن الحدث يعطي دلالات وإيماءات وإشارات وتنبيهات كثيرة، منها: أن التلميح أو التصريح عن ما قيل عن ضعف الأمن المصري في مطار شرم الشيخ لم يعد قاصراً على مصر، فباريس أصبحت بعد الأحداث مثل البرازيل وهو يتلقى هزيمة مذلة من ألمانيا في عقر داره في نهائيات كأس العالم.

ولكننا مع هذا نعود ونكرر أننا نستهين بهذا الإرهاب، ولا يجب أن نماهيه فالقضية هنا كما يقول إخواننا المصريون «يا قاتل يا مقتول».

مصر تقود معركة ضد الإرهابيين، وكانت منذ البداية تندد وتطالب بالمساندة، في الوقت الذي تضغط عليها أميركا باسم الديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي مفهوم جميل ورائع لو أن أميركا تتعامل به مع الجميع، فهي -للأسف الشديد- تدلل الكيان المحتل وتغرقه بالأسلحة والمعونات، ما لا تحلم ببعضه الولايات الأميركية نفسها، على رغم أن العدو يبطش ويعربد كل يوم، ويبني المستوطنات من دون أي احترام للقوانين الدولية، بينما تبتز مصر بالمعونة السنوية اليسيرة جداً مقارنة بجارتها المحتلة. كل أبناء الفرنسيين من أصول عربية يشعرون بالألم المضاعف، فالقتل يتم منهم وبواسطة أبنائهم، ولا يحق لهم الحزن ولا يحق لهم التشكي، وصدقت الأم المصرية وهي تقول: «قلبي على ابني وقلب ابني على الحجر».

الجواز السوري الذي وجد بجانب جثة أحد الإرهابيين طرفة سمجة بحق، فهل -يا ترى- سيأخذه لمثواه الأخير؟

أراهن على أن الجواز وضع عمداً؛ كي يوحى للفرنسيين أنه لاجئ سوري، مع أنني لا أفهم، كيف يتسنى للاجئين أتوا حديثاً، ولا يملكون أي مأوى، أو عمل، أو ملبس، أن يستطيعوا التخطيط لجرائم تحتاج إلى الكثير ومنها الأموال؟ بل حتى إنهم لا يعرفون الفارق بين أحياء باريس وطرقاتها وأزقتها. والغريب أن الأحزاب اليمينية الأوروبية بدأوا منذ الآن المطالبة بإقفال الحدود أمام اللاجئين، بل إن بعض الولايات الأميركية رفضت استقبالهم، وحتى لو حدث ذلك من أحد اللاجئين، أيعني هذا مصادرة حياة ومشاعر وحرية وإنسانية البقية؟

لا يراودني ذرة من الشك، في أن هذا التنظيم المدعو «داعش» سيضمحل وسيفنى إلى مزبلة التاريخ بعد فترة قريبة؛ بسبب أن هذا الكيان البشع لم يترك بقعة إلا وضع بصمته فيها. هؤلاء لم يفرقوا بين طيب، أو شرير، أو بين ديانات، أو مذاهب، وعلى رغم ادعائهم الكاذب أنهم مسلمون، إلا أن الممارسات تنبئ عن درك أسفل من الإنسانية.