علي سعد الموسى- الوطن السعودية-
أمضيت يومي نهاية الأسبوع متفرغاً لقراءة ومشاهدة ردود فعل "الإنتلجنسيا" الفرنسية تجاه إرهاب باريس، وبالتأكيد ستظل قراءتي ناقصة ومبتسرة بفعل حاجز اللغة الذي حشرني في زاويتي المتيسر من اللغتين الإنجليزية والعربية. وفي العنوان الأساسي العريض فقد لاحظت نبرة خطاب بالغة الخطورة تجاه دول الخليج في الخطابين الثقافي والمجتمعي، وفي السياسي عبر تهم واستدلالات لمنظومة دول الخليج وتركيا أيضاً بدعم تنظيم "داعش" بوسائل ووسائط مختلفة. ومقالي لهذا الصباح مجرد ناقل "تقريري"، وجملة "الرأي" الوحيدة به ليس سوى الاستنتاج: نحن مع "داعش" اليوم نعيش خراج النبتة في الهدف النهائي الذي يحاول إحكام الطوق على دول الخليج بتلفيق اتهام الدعم المالي واللوجستي، وهذا يمثل ذروة نجاح أجهزة الاستخبارات الإيرانية والسورية.
هنا بعض الأمثلة من نبرة الخطاب الفرنسي. في اجتماع غرفتي البرلمان الفرنسي مع دولة الرئيس بقصر فرساي كان السؤال الثالث مباشرة إلى فرانسوا هولاند: ما هو الموقف يا دولة الرئيس فيما لو ثبتت صحة الادعاءات بتورط بعض حلفاء فرنسا في الشرق الأوسط في دعم تنظيم الدولة؟ كان الجواب المباشر وبلا تردد: سندرس كل شيء ونتحقق من كل شيء، ولو ثبت ذلك فسنضع المجتمع الدولي وقواه المؤثرة في الصورة، وسنفعل بعدها ما يضمن مصالح العالم حتى ولو أدى ذلك إلى تغيير جوهري في خريطة تحالفاتنا بالمنطقة، وسأقول بثقة إن جملة الرئيس الفرنسي السابقة هي أخطر الجمل التي قالها سياسي منذ الحادي عشر من سبتمبر، وأخشى أن لا نأخذها على محمل الجد. هناك أيضاً عشرات المقالات التي ذهبت نحو هذا الاتجاه وأستطيع بحذر شديد أن أوجزها فيما يلي: خطاب فرنسا الثقافي المجتمعي يتحدث عن تورط قطري سياسي مباشر وعن دعم فكري ومالي لمؤسسات عمل إسلامي وخيري وأفراد سعوديين، ولكنهم، وللأمانة، يقولون إن هذا ضد إرادة ومواقف القرار السياسي السيادي السعودي، مثلما تتحدث هذه الكتل النخبوية الفرنسية عن التراخي التركي الذي جعل من تركيا سوقاً مفتوحة لبضائع "داعش" من النفط إلى القطن ومن الحدود المفتوحة أمام الجهاديين. خذ في المثال عنوان التحقيق الصحافي في الصفحة الخامسة لصحيفة "الليبراسيون" يوم الأربعاء الماضي الذي يتحدث عن رصد ما لا يقل عن خمسين تغريدة تويترية في التعاطف الضمني مع منفذي هجمات باريس لبضعة مغردين لهم ما يقرب من 21 مليونا من الاتباع على هذا الموقع لوحده، وبحسب الصحيفة التي يعتبر تحقيقها هؤلاء المغردين على رأس صناعة الرأي العام السعودي. الخلاصة أن نبرة الخطاب الفرنسي وردة فعله بالغتا الخطورة، وعلينا أن نأخذها على محمل الجد البالغ. نحن من قبل تعودنا على نفاق ومداهنة المواقف الأميركية ولكن: فرنسا ليست رئة أوروبا فحسب بل هي قلب العالم ومن يستطيع لوحده قلب الطاولة.