أمل زاهد- المدينة السعودية-
لعلّ السمة الأبرز من ملامح هذه المرحلة العصيبة التي يكشر فيها الارهاب الداعشي عن أنيابه ليمد أياديه الآثمة عبر الحدود والقارات ، هي المواقف الحدّية التي قد تصل للتطرف في ردود الأفعال على حدث جلل كهذا ، لا شك أن تبعاته ستغير وجه العالم ! فمن جهة ارتفعت الأصوات الشامتة مستدعية تاريخ فرنسا التي استكبرت في الأرض وتجبرت واستعمرت .. إلى آخر سرديات فظائع ما ارتكبته ، وذلك ليس بهدف فهم التاريخ أو قراءة الحدث بموضوعية ، والوعي بمسؤولية الغرب عن صناعة الإرهاب، ولكن رغبة في تسويغ الإرهاب وتبريره !. وهنا تخرج غرائز الانتقام الوحشية الدفينة من مخابئها في النفوس ، غير مبالية بالأرواح والدماء التي سفكت ، .. ولاذنب لها في قذارات السياسة وممارساتها ! ولعلّ الأزمة الكبرى تتجلى في الإنكار الساذج للحدث من أساسه ، ومزاعم تصنيعه في مطابخ المؤامرة والتزييف ، مما ينتشر على الوتساب وفي مواقع التواصل!.
في المقابل سنرى على الجهة الأخرى خطاباً منجرفاً وراء تعاطف مهين وفج مع فرنسا ، لم يكتفِ من يتبناه بتغيير خلفية ( بروفايله ) في مواقع التواصل لعلم فرنسا ، بل تناسى الدم العربي البريء الذي يسفكه الارهاب كل يوم في بقع مختلفة من عالمنا العربي !..وكأن دم ذوي العيون الزرقاء أثمن من الدم العربي ، الذي رخص ثمنه حتى لم يعد بنو جلدته أنفسهم يستنكرون سفكه ! وكأن تفجيرات الضاحية الجنوبية لم تجتث -قبل حدث فرنسا بيوم واحد فقط- العشرات من الأرواح البريئة وتجرح المئات ممن لاذنب لهم !إن دم الأبرياء حرام في أي بقعة أريق من الأرض ، وعالمنا العربي أول من اكتوى بالإرهاب وتلظى بنيرانه ، فكلنا مستهدفون ولم تعد هناك بقعة آمنة من شره .
أمعن بعضنا الآخر في ممارسة جلد الذات وتقزيمها ونسب كافة النقائص لها ، في استلاب ذليل يشي باعتلال نفسي خطير قوامه كراهية الذات والرغبة في التبرؤ منها ، لكن هيهات ..فلا هم استطاعوا الخروج من جلدهم ، ولن يقبل الغرب بضمهم فيمن عنده !.
جلد الذات هو الوجه الآخر لتبرئتها بالمطلق والتعامي عن عللنا الثقافية ، كما أن إنكار المؤامرة هو الوجه الآخر للاغراق فيها واتخاذها ذريعة للفشل ، فكل هذه الوجوه تقوم على التبسيط والتسذيج المخل، فالصورة أعقد كثيراً من تلوينها فقط بالأبيض والأسود .
نعم هناك مؤامرة غربية لصناعة الارهاب منذ أن أطَّرت أمريكا للجهاد الأفغاني وخلعت على الأفغان لقب « مقاتلو الحرية « ليخوضوا عنها حربها ضد الاتحاد السوفيتي ، ولكنْ أبناؤنا وثقافتنا هم الأدوات !
وهنا لابد من طرح الكثير من الأسئلة الصعبة ، والقيام بعملية جراحية للثقافة تقتضيها المرحلة !