محمد الحمادي- الاتحاد الاماراتية-
بعد أن رفعت مستوى الإنذار على أراضيها، منذ الاعتداءات الأخيرة في باريس، فاجأت الولايات المتحدة، أمس الأول، مواطنيها بتحذيرهم من السفر إلى جميع أنحاء العالم، والسبب هو تزايد التهديدات الإرهابية في كل مكان، البعض رأى هذا التحذير مبالغاً فيه، لكنه في الوقت نفسه يجعلنا نتساءل: هل بدأ العالم يستفيق من نومه العميق، ومن رفضه الخفي لمحاربة الإرهاب؟ ونؤكد هذا التساؤل بعد أن رأينا طائرات دول غربية تحلق لتقصف الإرهابيين، فتقتل داعشياً، وتسحق قاعدياً، وتشتت فلول الإرهاب.
المشهد القتالي الجديد ضد الإرهاب يدعو للتأمل، وسيجعلنا نتساءل: متى يكون العالم جاداً في محاربة الإرهاب، ولا يكتفي بردود الأفعال وبالحروب الانتقامية الآنية؟ وفي لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بوفد الكونجرس الأميركي، منذ أيام، كان هناك اتفاق واضح بين الجانبين على ضرورة التعاون بين دول العالم لمحاربة التنظيمات الإرهابية التي شكلت تهديداً حقيقياً للعالم خلال العقد الماضي، وأصبحت عنصراً مربكاً للسلم والأمن العالميين، والعمليات الأخيرة التي شهدتها دول الشرق الأوسط، أو دول أوروبا، تؤكد أن العالم لا يزال متراخياً في مواجهة الإرهابيين، ويسمح لهم بتوسيع تحركاتهم العبثية في مناطق العالم.
وهناك جانب آخر مظلم ومعيب في الحالة الإرهابية التي يعانيها العالم لابد أن نسلط عليه الضوء، وهو ما لاحظناه خلال السنوات الماضية، وفي مناطق مختلفة من العالم، من تمادي بعض الدول، وإصرارها على اللعب مع الإرهاب، ومحاولة «التذاكي» بادعاء أنها تستطيع استغلال الإرهابيين أو اختراقهم، وكأنها تستطيع ترويض هذا الوحش الذي لا يمتلك أخلاقاً أو ضميراً أو رحمة، وبالتالي رأينا كيف أن هذه الدول، بدل أن تقضي على هذا الوحش، ساهمت في تضخيمه، وبعد أن كانت متوهمة أنها تتحكم به اكتشفت أن الوحش قد انقض عليها، وضربها في مقتل.
دولة الإمارات دعت، وما زالت، وستظل تصرّ على دعوة العالم لمواجهة الإرهاب بشكل جماعي، ومن خلال منظومة عالمية، وتعاون دولي، لأنها تدرك أن مواجهة الإرهاب تحتاج إلى عمل يدوم، وبخطوات تأتي بنتائج ملموسة على أرض الواقع يشعر بها الجميع، وتضع حلاً، بل ونهاية، لهذا الإرهاب المقيت، ومن دون ذلك فإن الجهود تبقى مبعثرة والنتائج غير مضمونة، أما قذائف الطائرات فقد لا تكون لها إلا نتائج محدودة ومؤقتة، وستكون تكلفة الحروب أكبر من نتائجها.
دول الشرق الأوسط أصبحت مرتعاً للإرهابيين بكل أطيافهم ومذاهبهم وطوائفهم وأديانهم، والإنسان العربي أصبح مشتبهاً فيه ومتهماً حتى تثبت براءته! أما أوروبا فلم تعد تعرف النوم والراحة، وأصبح سكانها في قلق، وحتى السائحون الذين يعشقون مدنها وأجواءها أصبحوا يغيرون وجهتهم هذه الأيام، بحثاً عن أماكن أكثر أمناً ودول أقل تشدداً في إجراءاتها.. فمن هو المستفيد من هذا الوضع، ومن هو الذي حقق أهدافه؟ إنه الإرهاب، الذي استغل استهتار العالم به وتشرذم الدول في مواجهته فأصبح أكثر قوة، وأصبح التهديد الحقيقي الذي يواجه العالم.. فهل يتحد العالم لمواجهته؟