قينان الغامدي- الوطن السعودية-
أنا فقط أريد أن أفهم -والله فقط أريد أن أفهم- من القاضي "خالد الغامدي" في محكمة الخبر، هل تهمة "مجالسة إخواننا الشيعة"، أو تهمة "مجالسة مثيري الشغب منهم"، هل تستحق حكماً على من يفعلها بالسجن عامين، وجلده 200 جلدة، فقط يا فضيلة القاضي، أريد -والله العظيم مرة أخرى- أن أفهم، ما هو المستند النظامي، أو الشرعي، أو العقلي، الذي استندت إليه في هذا القرار، وهذا الحكم؟ ثم سؤال آخر بعد أن تم نقض الحكم بالتهمة الأولى المتمثلة في "مجالسة الشيعة"، كيف تغيرت التهمة إلى "مجالسة مثيري الشغب من الشيعة"، ولم تطلب -نظاماً- من المتهم أن يقدم اعتراضاً على الحكم بالتهمة الثانية؟ أين توقيع المتهم على العلم بالحكم؟! أليس هذا من حق المتهم -على الأقل- أن يعلم بالحكم، فإن قبل وقع، وإن لم يقبل ثبت القاضي حقه في الاعتراض خلال 30 يوماً؟! أليس كذلك؟!
أنا أسأل لأنني -فعلاً- لا أعرف، فما ورد أعلاه هي رواية الأخ العزيز المواطن "مخلف بن دهام الشمري" الذي قال في رسالة متداولة ما لخصته أعلاه وقد تأكدت من صحة ودقة الرسالة، وإلاَّ فأنا –شخصياً– لا أعرف الأخ المواطن "الشمري" ولم أتشرف بلقائه ولا محادثته يوماً على الإطلاق، لكنني تابعت قضيته هذه منذ بدايتها، وكنت أظن المسألة لا تتعدى قضية رفعها أحدهم، وسترفضها المحكمة شكلاً ومضموناً، لأن التهم "الأولى– والثانية" لا تستوجب عقوبته على هذا النحو، إلاّ إن كان شارك بنفسه مع مثيري الشغب، وأثاره فعلاً، أو ثبت أنه حرضهم أو دعمهم، سواءً كانوا سنة أو شيعة، لكن غير واضح أنه أثار الشغب أو شارك فيه أو أيده، أمّا الشيعة فهم مواطنون وإخوة، ومثل ما يوجد بينهم فاسدون، وسيئون، يوجد في السنة مثلهم أو أضعافهم، بحكم الفارق في العدد، وأنا -شخصياً- وغيري كثر جداً، عندي أصدقاء كثر من إخواننا الشيعة والإسماعيلية وغيرهم، وأشعر أنني سعيد بهذه الصداقة والعلاقة، فهم وطنيون صادقون، وقد أكلت وصليت وجلست معهم في بيوتهم، وفي بيتي، فهل هذه جريمة؟ بل إن الملك وولي العهد وأمير الشرقية وكبار المسؤولين من وزراء ومديرين يستقبلون إخواننا الشيعة في مجالسهم ومكاتبهم ويجلسون معهم، ويزورونهم، ويشاركونهم الأفراح والأتراح، ولدينا أعضاء شورى ومسؤولون كبار في الدولة وفي الشركات الكبرى من إخواننا الشيعة أنفسهم، ومرؤوسوهم من السنة أكثر من الشيعة فهل يخالطون ويجلسون مع رئيسهم الشيعي ويحترمونه أم يكلمونه من وراء حجاب، بل ولدينا وزير دولة عضو مجلس الوزراء (محمد أبوساق) من إخواننا الإسماعيلية وهو رجل كفء وطني معروف ويحضر مجلس الوزراء أسبوعيا فهل هذا الأمر مستنكر عند أي أحد؟! أمّا "مجالسة مثيري الشغب" فليس معقولاً أن أحداً عرفهم إلاّ بعد أن "أثاروا الشغب"، وهؤلاء بالتأكيد تم القبض عليهم من الجهات الأمنية، وهم في السجن أو حوكموا، وانتهت محكومياتهم، فكيف أستطيع أنا أو غيري أو "مخلف" مجالستهم، أو حتى القاضي نفسه، وهل لو جالست شخصاً أو أشخاصاً أثاروا الشغب من أي مذهب وتم الحكم عليهم، وأخذوا عقوبتهم، هل مجالستهم جريمة تستحق العقاب؟ لاحظوا، أنني حتى الآن أسأل السؤال تلو الآخر، وكلها لا أعرف لها إجابة مقنعة، بل وكلها مذهلة بالنسبة لي، وتدعو إلى الدهشة والتعجب والألم! وأقول الألم، لأنني يستحيل أن أصدق أن قاضياً، أو محكمة، يصدر حكماً كهذا على أي من التهمتين، فهما أصلاً ليستا تهمتين -في نظري- مطلقاً، بل هما مما يعزز اللحمة الوطنية، ودعك من هذه اللحمة، فهما من السلوك الطبيعي القائم والمستمر في وطننا كله، أياً كانت المذاهب والتوجهات، وكلنا اليوم قيادة وحكومة وشعباً متضامنون ضد الطائفية والعنصرية وغيرها مما يخشى منه تفتيت وحدتنا الوطنية العظيمة الرائدة، ثم إنني لا أعرف سبباً واحداً يحول بيننا وبين العلاقات الطبيعية مع إخواننا الشيعة فهم شركاؤنا في الوطن والدين والمصير، وحساب كل فرد منا عند الله جلّ وعلا، وليس عندي ولا عندك ولا عند القاضي، ولا عند أحد مطلقاً، والخلافات الفقهية بين المذهبين مكانها الحوارات المعمقة بين المختصين من الطرفين، فإن اتفقا فذاك ما نبغي، وإن لم يتفقا، فما الذي يمنعهما من الاتفاق على التعايش السلمي والوطني، وباقي الاختلافات، يحترم كل منهما قناعات وأدلة الآخر حتى وإن اختلف معها، أي أن ساحات المحاكم ليست الميدان المناسب لتصفية الحساب مع أي مختلف فكرياً، أياً كان مذهبه أو معتقده ما لم يتعد على الآخرين، ويسعى إلى فرض رأيه على غيره.
إنني أربأ بقضاتنا وفقهائنا أن يساهموا في التأجيج الطائفي الذي يسيء إلى وطننا إساءات بالغة جداً، على مستوى وحدتنا الوطنية الرائعة، وعلى مستوى سمعتنا أمام العالم، وأنا أقف –شخصياً– مع أي من الناس، يعبر عن ذهوله من مثل هذه الأحكام القضائية، أو الفتاوى أو غيرها مما يدفع إلى العنصرية والطائفية، أمّا "الخونة" ومثيرو الشغب فلن يقبلهم أحد بغض النظر عن مذهبهم، أو مكانتهم فالوطن وأمنه ووحدته فوق الكل.
وإنني آمل أن أجد استجابة من القاضي "خالد الغامدي" لتوضيح وجهة نظره، وحيثياته النظامية والشرعية في هذا الحكم "الغريب"، لكي يطلع عليها كل من تابع القضية، ولأنني أعرف –بل وواثق تماماً– من عدل وعفو ووعي ولاة الأمر، فإنني آمل من الأمير المثقف الإنسان "سعود بن نايف" أمير الشرقية، أن يطلب ملف القضية ويتأكد منها، قبل تنفيذ الحكم، وقطعاً سيكون موقفه مع الحق والعقل.