تواصل » صحف ومجلات

متى يُسقط المطر وزيراً؟

في 2015/11/28

هاني الفردان- الوسط البحرينية-

مرّت على البحرين أيام ممطرة، عرّت فيها حقيقة ما يقال عن المستوى المتطور من التنمية، وإن شوارعنا أنجزت وفق «أفضل المقاييس والمعايير الدولية».

القضية التي مازالت «مدوِّية» هي إصرار الحكومة على أن شبكة صرف مياه الأمطار ليست أولوية لندرة الأمطار في البحرين، واعتمادها (أي الحكومة) على سياسة «صهاريج» شفط المياه كحلٍّ لحكومة ذات تنمية ونظرة مستقبلية مختلفة عن تنمية الآخرين التي تعتمد على تطوير البنى التحتية.

جهات رسمية ترى في حل ترقيعي كشفط المياه، إستراتيجية مستقبلية في القرن الحادي والعشرين بدل إيجاد بنية تحتية قوية وشبكات تصريف مستدامة ذات أبعاد حضارية.

سقط المطر فغرقت البحرين، وتفنّن الشعب في التقاط الصور، وإبراز الوجه الحقيقي للبنية التحتية للبلد. ودعت الجهات الرسمية إلى أخذ الحيطة والحذر، وكفى المؤمنين شر القتال، فقد فعلت ما هو واجب عليها وحذّرت الناس، ولكنها نسيت أن الكلام لوحده لا يكفي، فلذلك وقعت «الكارثة»!

الطريف جداً أنه في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 أكدت وزارة الأشغال وشئون البلديات والتخطيط العمراني «جهوزيتها» لمواجهة موسم الأمطار، إلا أنها وضعت تلك الجهوزية في بيانها الرسمية بين علامتي اعتراض - وذلك بحسب الإمكانيات المتاحة - منعاً للإحراج المؤكد، وتكرار سيناريو العام الماضي عندما قالتها صريحة وأعلنت عجزها في مواجهة الأمطار!

وزارة الأشغال في بيان لها يوم الأربعاء (25 نوفمبر 2015) أكدت أن أكثر المناطق المتضررة من مياه الأمطار في المحرق شملت منطقة الحد وعراد والدير وسماهيج والبسيتين، إذ كانت أكثر المناطق تضرراً هي مناطق الإسكان الجديدة.

المناطق التي شهدت ضرراً أكبر بسبب سقوط الأمطار هي الجديدة، وليست القديمة، ما يكشف عن سوء تخطيط عمراني، وغياب البنى التحتية حتى في المناطق المستحدثة، فالكل شاهد الصور والمقاطع المصورة لغرق مناطق سكنية جديدة في البلاد القديم، وسلماباد والدير وسماهيج والحد وغيرها.

ولنذكِّر الجهات الرسمية أن نسبة تساقط الأمطار عادية جداً، فقد شهدت البحرين (بحسب الأرصاد الجوية) نسبة هطول للأمطار في نوفمبر 1997 بلغت 101.6 ملم، في حين كانت أعلى نسبة هطول يومي (57.6 ملم) في 19 نوفمبر 2000، أي أن البحرين عاشت ظروفاً ودروساً أصعب بكثير مما عشناه الأيام الماضية، إلا أن الجهات الرسمية المعنية لم تستوعب الدروس، بل رفضت مشروع «شبكات تصريف مياه الأمطار» وفضلت استخدام صهاريج الشفط، في ردّ أقبح من ذنب على مجلس النواب (في 9 نوفمبر 2014)، حيث أكّدت وزارة الأشغال أن البنية التحتية المتطوّرة للبحرين ليست أولوية، بل وجهت ثقلها نحو «صهاريج» شفط المياه!

أصبح الحديث حالياً عن مناقصات صهاريج شفط المياه، وتعاقد من شركات لتوفيرها كل عام، في بلد خليجي يفترض أن تكون لديه بنية تحتية متطورة بشبكة تصريف مياه الأمطار، لا بصهاريج شفط جعلت من وزارة الأشغال تعلن العام الماضي عن عجزها لمواجهتها «صعوبات في عمليات شفط المياه بسبب استمرارية هطول المطر، وصعوبة الحركة المرورية بالنسبة للصهاريج، وكون نسبة تساقط الأمطار 15.6 ملم، ما زاد من العبء وقساوة الظروف التي تعمل بها الوزارة في وضع أشبه بالطوارئ»!

الأمطار عرّت كل التصريحات الرسمية، وكل مشاريع البنى التحتية وخطط وإستراتيجيات «وهمية»، وكذلك كشفت عن حقيقة المشاريع السكنية الجديدة، وكيف غرق جلُّها، من منطقة اللوزي، وادي السيل، مدينة عيسى، البسيتين، جدحفص، شمال شرق المحرق، وغيرها.

وزارة التربية هي الأخرى التي لم تستطع مواجهة غرق المدارس، كشفت عن «خزعبلات» الاستعدادات السنوية، حتى سقط يوم الأربعاء الماضي سور مدرسة في الرفاع جراء أمطار بسيطة، وليست عواصف ولم يصاحبها حتى رياح شديدة، فيما شهد الجميع كيف أغلقت الأمطار مداخل مدارس كثيرة.

مشاهد ومناظر تتكرر كل عام، كما هو حال ملاحظات تقرير ديوان الرقابة المالية التي تتكرر كل عام أيضاً.

سقطت الأمطار على البحرين، ومع سقوطها عرّت مؤسسات رسمية ووعود وزراء وردية، وكشفت «خزعبلات» بعض الوزارات، ومشاريع وبنى تحتية متهالكة، ومع كل ذلك لم تستطع أن تسقط وزيراً واحداً طوال السنوات الماضية.