تواصل » صحف ومجلات

لن ننسى القتلة والمحرّضين..!

في 2015/11/28

د. أحمد الجميعـة- الرياض السعودية-

ذاكرتنا مع الإرهاب لا تزال تحمل معها الكثير من الألم على دماء بريئة سُفكت بلا وجه حق، وأطفال تيتّموا، ونساءٍ ترمّلوا، ومجتمع عانى من تداعيات أفكار ضالة لا تنسجم مع واقعه المعتدل المتسامح، ودولة واجهت بحزم وعزم تنظيمات إرهابية مارقة عن الدين والعقل، وخسرت رجال أمنٍ ضحوا بأرواحهم فداءً لدينهم ووطنهم، وبقي الجميع في كل تلك التفاصيل المريرة أكثر تلاحماً في اصطفاف وطني لمواجهة الإرهاب، والتعبير عن رفضه، والوعي بخطره، والتحذير منه، والنيل من مرتكبيه، ومحاكمتهم شرعاً.

لا يمكن أن ننسى إرهاباً حاول ضرب وحدتنا، ومقدراتنا، وإثارة الخوف والفوضى بيننا.. ولا يمكن أن ننسى صور الضحايا الذين سقطوا ظلماً وعدواناً في مواقع عدة من وطننا.. ولا يمكن أن ننسى من شارك وحرّض على القتل والعنف ونتركهم بلا عقاب أو قصاص.. ولا يمكن أن نتجاهل دموع وانكسارات أسر الضحايا الذين فقدوا عزيزاً عليهم وتمنّوا أن يكون بينهم اليوم قبل أن يختطفه الإرهابيون من الحياة.. ولا يمكن أن نتجاهل مطالب مجتمع ينادي في كل وقت بالقصاص من القتلة وتطبيق شرع الله فيهم.. ولا يمكن أن نحفظ للدولة هيبتها ومكانتها من دون أن تضرب بيدٍ من حديد على كل من يحاول الإخلال بالأمن والاستقرار..

لقد عانت المملكة خلال السنوات الماضية ولا تزال من هجمات إرهابية من "القاعدة" و"داعش" يقف خلفها منظمات دولية، ومخططات دنيئة ورخيصة، ومع ذلك نجحت بشهادة البعيد قبل القريب في مواجهة هذه الهجمات والتصدي لها قبل وقوعها، والتعامل معها بمهنية عالية حتى بعد وقوعها، وتحديداً في جمع الأدلة، وتعقب المنفذين والوصول إليهم وتقديمهم للعدالة، وهي جهود لم تكن لتتحقق إلاّ بالتمسك بالدين الذي هو أساس وجود هذه الدولة، ووحدة الصف بين القيادة والشعب لمواجهة الإرهاب فكراً وسلوكاً، وإحساس الجميع بأن أمن الوطن خط أحمر لا يُمس ولا يقبل المزايدة أو المساومة أو التجاوز من كائنٍ من كان، وأن الحق يعلو ولا يعلى عليه مهما طال الزمن، وأن الدماء التي سالت حان وقت القصاص من مرتكبيها، وتكون في ذلك عبرة لمن سيجرؤ على سفكها، أو التحريض عليها، أو الاستهانة بها تحت أي مسوغ فكري منحرف.

الدولة التي وعدت وستفي بأن تقتص من القتلة، وتشفي صدور أسر الضحايا، وتواسي المجتمع الذي عانى كثيراً من خوارج هذا العصر؛ لم تفكّر يوماً أن تنتقم في محاكم عسكرية أو سرية، بل على العكس كانت المحكمة علانية، وتوكيل المحامين عن المتهمين أثناء المحاكمة، وخصصت قضاة للنظر في الدعاوى باستقلالية تامة، ولا سلطان عليهم إلاّ شرع الله الذي ارتضيناه حكماً ودستوراً ومطهرة لكل جُرم.

وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة طويلة من القبض والتحقيق والادعاء أمام القضاء، والنظر في الدعوى شرعاً، والاستماع إلى أقوال المتهمين، ودفوعهم، وبينة المدعي، واستكمال الإجراءات النظامية للدعاوى محل النظر، وتقديم الأدلة، والتثبت منها، والحكم على المتهمين من المحكمة الجزائية، وتصديق ذلك من محكمة الاستئناف، والمحكمة العليا، واستيفاء كافة ضمانات التقاضي بدرجاته الثلاث، حيث أثمرت هذه الجهود عن صدور عدة أحكام بالسجن والقصاص ممن سفكوا الدماء المعصومة بالقتل والتفجير، أو ممن اعتلوا المنابر وتصدروا للفتوى بغير علم وحرّضوا على أعمال القتل والعنف.

وتؤكد هذه الخطوة أيضاً على الثوابت التي قامت عليها هذه البلاد بتحكيم شرع الله، والعمل به، والحفاظ على أمن الوطن واستقراره ضد كل عابث أو مخالف، وهي ثوابت التزم بها ولي الأمر الذي بايعه الشعب على العمل بكتاب الله وسنّة رسوله وتطبيق أحكام الشريعة، وضمان العدل والمساواة بين الجميع أمام الشرع الحنيف، فلا فرق بين قاتل ومحرّض، بل جعلهما في منزلة واحدة، وهو تحول مهم؛ ليدرك الجميع أن المحرّض الذي يتمنى البقاء في السجن سنوات بلا قصاص أهون عليه من أن يُقتص منه بحكم شرعي، وهذا مؤشر على عدالة القضاء، ونزاهته، واستقلاليته، وبُعد نظره؛ فلم يقتص من الجاني ويترك المحرّض الذي ساعد على ذلك.