حسن مشهور- الشرق السعودية-
عندما ألّف محمد قطب «جاهلية القرن العشرين» لم يكن يدور بخلد أحد أن هذا الكتاب سيسهم في تشكيل فكر شبابي مأزوم، ستنعكس ردود فعله السلبية على واقعنا العربي بشكل مدوي وخطير. لقد كانت فكرة وصم المجتمع العربي وهو في أوج نضجه الثقافي وسعيه لتعزيز بناه الحضارية وقبل ذلك تحرره من المستعمر الغربي، بأنه مجتمع جاهلي -أي كافر- إنما كان دافعها إعادة إحياء المشروع الإخواني الذي كان لمؤسس الجماعة سيد قطب اليد الطولى في بذر النواة الأولى المشكّلة له.
أي أن ما سعى محمد قطب لتمريره عبر أطروحاته الفكرية إنما كان يشكل امتداداً لأفكار أخيه سيد قطب، وكذلك إعادة تدوير لما أورده سيد قطب من أفكار في كتابه المعنون بـ «معالم في الطريق».
إذا كان التركيز ينصب من قِبَلِهما على تعزيز فكرة أن المجتمعات العربية قد عادت للردة الدينية الأولى، وهي قد غدت أشبه ما تكون بذلك المجتمع الجاهلي الذي بعث لهدايته نبي الأمة، وعليه فإن هذا المجتمع العربي هو بحاجة إلى إعادة تشكيل وتوجيه بناه الدينية من جديد.
ولقد لقيت هذه الأفكار رواجاً كبيراً في المجتمعات العربية والمسلمة، فعندما سعى المصري عبدالرحمن شكري -على سبيل المثال- لتشكيل جماعته التي أطلق عليها (التكفير والهجرة)، وعمد إلى الانتقال بهم للعيش خارج الإطار البشري والعمراني المصري، وسعى لاحقاً للصدام مع السلطة، فإن كان كذلك فقد كان تنفيذاً لما أطّر له محمد قطب في كتبه وسعى لنشره من أفكار.
وعندما سعت في الداخل السعودي (حركة جهيمان)، وتلتها القاعدة كذلك في معاداة المجتمع ومحاولة قلب نظام الحكم فيه، فإنها في ذلك قد كانت في منطلقاتها متأثرة بما قرأه أعضاؤها وبما مرر لهم من أفكار تتعلق بجاهلية مجتمعات القرن العشرين.
المفارقة الباعثة على السخرية، أنه في الوقت الراهن قد طفى على السطح رأي، يقول بأن الأجيال الحالية من الشباب لم تعد القراءة تمثل محور اهتماماتهم، أي أنه جيل لا يقرأ بنهم وعمق، كما أن اهتماماته الحياتية قد أصبحت مغايرة للمألوف، ومن هنا فلا خوف عليه من أن يسعى لقراءة أدبيات الفكر الإخواني أو أن يتاثر بما ورد فيها.
إلا أن الحقيقة مغايرة لهذه الفكرة، فالجيل الحالي هو جيل يتلقى جزءاً من معرفته عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر تشكيلات الميديا الحديثة، بل إنه قد غدا أكثر التصاقاً بهذا الواقع الافتراضي الذي ينتقل إليه عبر جهازه المحمول بيسر وسهولة. وهو الأمر الذي تنبه إليه رموز الحركيين مبكراً، فسعوا لتمرير ذات الأطروحات القطبية التكفيرية عبر وسائل التواصل هذه، بل إنهم قد زادوا هذه المرة عبر إضافة تفسيرات وشروحات عليها تسهم إلى حد بعيد في غسل أدمغة شباب هذه الأمة، وتجعلهم أداة طيعة في أيدي هؤلاء الإرهابيين التكفيريين.
وهكذا فنحن عندما نقول بأننا نخاف على عقول أبناء الوطن والأمة من الاختطاف من قبل هؤلاء الظلاميين، فنحن إنما ننطلق في تحذيراتنا هذه من وعي وإدراك حقيقيين. فلتحرص الأسر على أبنائها، ولتسهم المؤسسة التعليمية مع شريكتها المؤسسة الإعلامية في تبني مشروع توعوي يسهم في تحذير أبنائنا وتخويفهم من مغبة الانجراف وراء دعاة التكفير هؤلاء وكل من يسعى لإذكاء نار الفرقة والاختلاف في مجتمعنا السعودي المحافظ.