تواصل » صحف ومجلات

ما كان العشم يا أولاد «زايد»

في 2015/12/05

علي الصــالـح- الخليج البجديد-

في الوقت الذي تتسع فيه حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال الإسرائيلي.. وفي الوقت الذي يقرر فيه الاتحاد الاوروبي وسم منتجات المستوطنات في الضفة الغربية.. وفي الوقــــت الذي يعلن فيه اتحاد الانثروبيولوجيين في الولايات المتحدة، الذي يضم اكثر من 12 الف عضو بأغلبية ساحقة انضمامه للمقاطعة الى جانب اتحادات طلابية وكنائس..

وفي الوقت الذي ينضم فيه حزب العمال البريطاني المعارض، ولو جزئيا إلى مجموعة كبيرة من النقابات والاتحادات والاكاديميين التي تقاطع اسرائيل، برفضه التعامل مع شركة G4S للخدمات الامنية، لعلاقتها بسجون الاحتلال، بقرار اتخذته لجنته التنفيذية الوطنية قبل أسبوعين..

وفي الوقت الذي تستحدث فيه إسرائيل وزارة جديدة لمواجهة المقاطعة، في محاولة للتصدي لها ومنع اتساعها، ما يعكس مخاوفها من مواجهة عزلة على المدى البعيد شبيهة بالعزلة التي عاشها النظام العنصري الأبيض في جنوب افريقيا.. وفي الوقت الذي تصدر فيه محكمة في اسبانيا وفي جنوب افريقيا قرارات اعتقال بحق عدد من المسؤولين الاسرائيليين، في مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لمحاكمتهم على جرائمهم.

وفي الوقت الذي تصوت فيه 171 دولة في الجمعية العامة مجددا لصالح حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.. وفي الوقت الذي تكتسب فيها الانتفاضة الفلسطينية زخما جديدا وتقدم أكثر من110 شهداء، وأكثر من 12 ألف جريح على مدى الشهرين الماضيين. وفي الوقت الذي تدير فيه حكومة الاحتلال الأكثر عنصرية وكرها ليس للفلسطينيين فحسب، بل العرب عامة، ظهرها لعملية السلام وترفض الانصياع أو احترام اي من المواثيق والاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشأن حقوق الإنسان.. 

وبينما يرفض نتنياهو استقبال وزير خارجية بلجيكا ديدييه رايندراس بسبب تأييد بلده لوسم منتجات المستوطنات، وبينما يفترض أن تطالب دولة الامارات اسرائيل بتسليم المسؤولين عن اغتيال القيادي الفلسطيني محمود المبحوح فوق اراضيها في 2010، بمشاركة فريق من جهاز المخابرات الخارجية الاسرائيلية «الموساد» يضم حوالي 30 عميلا… وبينما تراجعت بعض الدول العربية التي فتحت مكاتب تمثيلية في عواصمها لبعض الوقت، بإغلاق هذه المكاتب..

تفاجئنا دولة الإمارت العربية المتحدة، بخطوة تطبيعية ممثلة بفتح مكتب تمثيلي لدولة الاحتلال تحت غطاء وكالة الطاقة المتجددة الدولية «إيرينا»، فوق اراضيها وفوق التراب الذي يحتضن رفات قائدها ومؤسسها العروبي الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله.

ليس الغرض من هذا المقال الإساءة لدولة الإمارات، لا حكومة وطبعا لا شعبا، وإنما الاستفسار والتوضيح، خاصة أن هذه الخطوة لا تأتي بمعزل عن خطوات أخرى جرى الحديث عنها أخيرا، منها نشاط شــــركات خدمات أمنيـــة إسرائيلية تحفظ الأمن الداخلي للإمارات مثل شركة Asia Global Technology السويسرية، التي يديرها رجل الأعمال الإسرائيلي – الأمريكي ماتي كوخافي، وكذلك شركة «فالكون آي» أو (عين الصقر) التي وقعت عقداً في نوفمبر 2011 تتولى فيه مسؤولية مراقبة أبوظبي، وطن الشيخ زايد طيب الله ثراه، الذي يكن له الشعب الفلسطيني كل تقدير واحترام لمواقفه القومية ووقوفه الدائم إلى جانب فلسطين وشعب فلسطين.

طبعا المسؤولون الإمارتيون ينفون ذلك جملة وتفصيلا، وخرج الدكتور علي النعيمي مدير جامعة الإمارات يرد على ما وصفه بحملة التسريبات الإعلامية التي نشرت عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، حول عزم إسرائيل افتتاح مكتب لها في أبوظبي.

واعتبر ما نشر وقيل حملة أكاذيب وافتراءات جديدة لجهات ذكرها ولن اذكرها لأنني لست طرفا في الصراعات الدائرة بين بعض الدول الخليجية ولست معنيا بها. وقال: «ولأن الإمارات رائدة عالميا في مجال الطاقة المتجددة، وتعمل على صناعة مستقبل مشرق لأبنائها قررت احتضان مقر الوكالة آيرينا لتؤكد على تميزها فيه»، وهذا إنجاز نثمنه.

لكن المعلومات تفيد بأن استضافة مقر الوكالة لم يكن قرارا إماراتيا بحتا، كما يقول الدكتور النعيمي، بل كان هناك تنافس بين الإمارات والمانيا حول استضافة مقر الوكالة.. وحسب المعلومات أيضا فإن حكومة اسرائيل فكّرت في الخطوة من قبل، وهو ما دفعها إلى دعم الإمارات العربية، عام 2009، في منافستها مع ألمانيا على استضافة مقر الوكالة حين إنشائها.

واشترطت دعمها آنذاك بأن لا تحد الإمارات من نشاطاتها «إسرائيل» ضمن الوكالة في المستقبل، وألا تحول دون مساعيها لإقامة ممثلية يوما من الأيام، بغض النظر عن الوضع السياسي القائم في المنطقة. وحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، فإن جهود إسرائيل لفتح مكتب لبعثتها في الوكالة بدأ مباشرة بعدما دعمت طلبا لإنشاء مقر للمنظمة في أبو ظبي، لكن هذه الجهود تعطلت بعد اغتيال المسؤول في حماس محمود المبحوح. 

أما مريم الفلاسي مديرة ادارة الاتصال في وزارة الخارجية الإماراتية، فقالت لوكالة انباء الإمارات «وام» إن «ايرينا» منظمة دولية مستقلة تعمل وفق القوانين والأنظمة والأعراف التي تحكم عمل هذه المنظمات. وأضافت: «ومن هذا المنطلق فإن أي اتفاقات بين «ايرينا» وإسرائيل لا تمثل اي تغيير في موقف الإمارات أو علاقاتها باسرائيل»، وهذا بالطبع ما نتمناه.

وأوضحت وزارة الخارجية الإماراتية، حسبما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية، أن البعثات المعتمدة لدى وكالة «إيرينا»، تنحصر مهامها «بالتواصل والتعامل مع الوكالة ولا تتعداها بأي حال من الأحوال إلى أي أنشطة أخرى، ولا تترتب على الدولة المضيفة أي تبعات في ما يتصل بعلاقاتها الدبلوماسية أو غيرها». 

ويذكر أن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة تضم 145 دولة، في حين تحاول 29 دولة أخرى الانضمام اليها، ولكن لا يملك أي من هذه الدول ممثلية مستقلة تابعة للوكالة الأممية في أبو ظبي. وهذا يعني كما قال المسؤول الإسرائيلي إن إسرائيل ستكون الدولة الوحيدة التي ستكون له ممثلية خاصة بالوكالة في أبو ظبي.

لكن حتى لو افترضنا جدلا أن ما صدر عن الخارجية الاماراتية صحيح، يبقى السؤال المشروع وهو، لماذا إذن استضافت دولة الامارات رسميا وسرا دوري غولد الصهيوني المتشدد فوق اراضيها، وبحثت معه على مدار ثلاثة أيام شأنا دوليا لا علاقة له به، ولا علاقة للامارات به؟ وتساؤل آخر وهو ما شأن دوري غولد بشؤون الطاقة؟

ألم يكن من المفترض أن تبحث اسرائيل هذا الامر مع مسؤولي وكالة «ايرينا» وليس مع الامارات. قد يقول قائل إن الامارات معنية بمن يدخل أراضيها أو يقيم فوقها، ويبقى السؤال فارضا نفسه لماذا دوري غولد الدبلوماسي المتطرف، المدير العام في وزارة الخارجية الاسرائيلية؟ ولماذا لم تشترط الامارات مسؤولا فنيا في شؤون الطــاقة المتجددة يتعاطى مع الوكالة وليـــس معها، وليس دبلوماسيا متمرسا.

وحتى «يفرك بصلة في أعين» المسؤولين الإماراتيين كما يقول المثل، أمعن دوري غولد في الحديث عن الموضوع الذي اعتبره إنجازا، نافيا في حديث لإذاعة الجيش أن تكون علاقات إسرائيل بالإمارات مجرد «علاقات حب سرية». وقال إنهما سترتبطان بعلاقات رسمية. وكرر التأكيد على أن علم إسرائيل سيرفع في ممثليتها في أبو ظبي مثلما ستثبت صورتا رئيسها رؤوفين ريفلين ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو داخل مكاتب الممثلية.

واعتبر مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية هذه الخطوة «اختراقا سياسيا» مهما في الشرق الأوسط، وأنها ثمار اتصالات سياسية سرية دامت عدة سنين. وحتى نتنياهو الذي يسعى لإبعاد تهمة العزلة السياسية التي تعيشها إسرائيل ويلصقها به خصومه السياسيون، لم يضيع هذه الفرصة فأدلى بدلوه بأن قال، إن افتتاح الممثلية الإسرائيلية في أبو ظبي جاء نتيجة صفقة!

ومقابل تقديم مساعدات من إسرائيل للإمارات المتحدة لم يفصح عن ماهيتها، وإن كشف في مناسبة اخرى تحدث فيها عن مصافحة زعماء عرب له على هامش قمة المناخ في باريس الاسبوع الماضي، عن طبيعة هذه الصفقة ومنها «محاربة الإسلام المتطرف والإرهاب»، وكذلك مجالات الاختراعات وتقنيات الإنترنت والمياه والسيبر.

ليس هذا العشم يا أولاد زايد.. فليس هذا هو الوقت المناسب لمثل هذه الخطوة يا دولة الإمارات.. إلا اذا كانت هذه هي مكافأتكم لهذا العدو المتغطرس وحكومته الاحتلالية العنصرية والإرهابية والدموية، على سفكه للدم العربي ووأده لعملية السلام وقتل أي آمال لقيام دولة فلسطينية.. تعلموا الدرس من تجارب غيركم حتى لا تندموا، حيث لا ينفع الندم.. وحتى لا تقولوا «أكلت يوم أكل الثور الأبيض».