تواصل » صحف ومجلات

بادرة جيدة ومطلوبة بقوة لتوعية الشباب بمخاطر التطرف

في 2015/12/08

رأي الوطن العمانية-

الحديث عن التطرف الفكري ذو شجون بالنظر إلى حالة الاستسلام والاصطفاف التي وصلت إليها المنطقة بصورة عامة ومجتمعاتنا العربية بصورة خاصة، في ظل غياب الموجِّهات الراشدة، وتسلط لغة الإقصاء، وتسيد خطاب التكفير، واستشراء صور التفجير، وانحراف خطاب من يفترض بهم أن يقودوا الأمة عامة والشباب خاصة نحو جادة الصواب والرشد والحكمة، والمحبة والألفة والإخاء والتعاون والتراحم، واحترام الآخر واحترام فكره ومعتقده. والمؤسف أن هذا الانحراف الفكري لم يكن حالة افتراضية أو وقتية أو وليد اللحظة، وإنما هنالك في تاريخ العرب والمسلمين محطات مر عبرها الفكر والفطرة السليمة بحملات تشويه وتلويث. فالإسلام في صدر عهده ابتُلي بحملات تشويه وإمراض الفكر قادها كعب الأحبار، وفي وسطه ابتُلي بمن وسموا بأنهم قامات عصرهم قادوا حملات تلويث الفكر والفطرة السليمة، وإيرادها موارد الهلاك بجرهم إلى مظاهر التطرف والغلو والإقصاء والتكفير، لتصل محطات التشويه والتلويث للفكر والفطرة السليمة إلى هذا الحاضر ويستلم رايتها مفتو السلطات ومشايخ الفضائيات الذين وجد منهم أعداء الأمة مفاتيح انتصاراتهم عليها، لتمرير مشاريعهم بتفتيت الأمة إلى كيانات طائفية وملل ونحل ومذاهب وأعراق تتناحر فيما بينها، فشكل ما سمي بـ”الربيع العربي” حالة استثنائية لأعداء الأمة بتوظيف تلك الأبواق على شاشات الفضائيات في تكريس حملات التلويث والتشويه، واصطياد الشباب العربي غض العود وخاوي الفكر، وتحويلهم إلى رماح وقنابل موجَّهة نحو نحور أوطانهم وأشقائهم وإخوانهم، تحت مسميات وشعارات هي الأخرى كرست عملية التشويه والتلويث من قبيل “الجهاد” و”الفوز بالحوريات في الجنة” وغيرها.

ونتيجة لذلك، أخذت أقطار العرب والمسلمين تسقط وتتهاوى بضربات وطعنات أبنائها، وهذا ما كان ليحدث لولا الإسقاط المدوي للفكر وإفراغه من معاني الوطنية والانتماء والذي أحدثه شيوخ الفتن ومفتو السلطة، خدمة لأعداء الأمة بعد أن كان الأعداء يتساقطون على أستار أوطان العرب والمسلمين.

صحيح أن التطرف الديني لا يقتصر على دين بعينه، إلا أن الأخطر.. يظل الإرهاب الذي تكفل به شيوخ الفتنة ورعته أنظمة والذي بات يفيض عن الحاجة الفعلية لأعداء الأمة، وغدا يشكل هاجسًا عمليًّا، من حيث الفعل المزدوج بتحطيم أوطان العرب والمسلمين وتشويه صورة الإسلام الناصعة ورسالته المُحِبة للخير والسلام والرحمة العدل واللين والرفق والحكمة في التعامل والخطاب.

وفي هذا الاتجاه يحاول مؤتمر “التطرف الفكري ومدى تأثيره على المجتمع العربي” الذي انطلقت فعالياته أمس بقاعة “ابن رزيق” بمقر الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء وتختتم اليوم، وضع الإصبع على الجرح من خلال مناقشة التطرف ومدى تأثيره على المجتمع العربي على نحو يكفل الخروج برؤية واضحة قائمة على تفسيرات واقعية تتيح للمستقبل الاستفادة منها في مواجهة التطرف بشتى أنواعه، خاصة وأن المنطقة العربية تمر بمرحلة حرجة في فهم الوقائع والتراكيب الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية، حيث حاولت محاور المؤتمر الإجابة عن كم من الأسئلة التي تدور في فلك التطرف وأسبابه ودوافعه، ودور الإعلام والخطاب الديني كمحور (الفكر العربي: التعريف والمصادر والمعضلات) و(فكرنا الإسلامي والقيم الإنسانية: النظرية والواقع) و(ظاهرة العنف في المجتمع العربي) و(العلاقة بين البنية الفكرية والبنية الاجتماعية في عُمان) و(الفكر العربي والعلاقة بالمتغير السياسي) و(إشكالية العنف في النص الديني) و(أوجه التعصب في المجتمع العربي ـ العلماني والمذهبي أنموذجًا) و(الفكر العربي بين السياق القومي والتطلع العالمي).

إن المؤتمر في شكله ومضمونه يعد بادرة جيدة ومطلوبة بقوة لتوعية الشباب بمخاطر التطرف، ليس على نفس المتطرف فحسب، وإنما على الأوطان واستقرارها والعبادات وتعمير الأرض والإنتاج والتنمية، خاصة في ظل الاصطفاف الطائفي وغلبة نزعة التطرف في الخطاب الديني لشيوخ الفتن.