محمد بتاع البلادي- المدينة السعودية-
( الداعية ) هو المصطلح الذي اخترعناه وطورناه كي نمارس من ورائه حبنا الجارف للوعظ والنصح دون أدنى مسئولية ، بل دون الحاجة إلى شهادة علمية أو عقلية، أو حتى شهادة حسن سير وسلوك ! . عد للتاريخ إن شئت وابحث عن هذا المصطلح .. لن تجده .. بل ستجد أن العلماء والفقهاء الثقات (الذين يدعون لله على بصيرة) هم المرجعية الوحيدة للأمة .. كان ذلك قبل أن نفتح الباب على مصراعيه كي يصبح مجتمعنا ساحة لفوضى فكرية وعقائدية وإيديولوجية عارمة يتنازعها ( مجتهدون ) (قليلو العلم) ما زادنا بعضهم إلا فُرقة وطائفية وتكفيراً !.
الدعوة إلى الله من أعظم العمل ولاشك ، لكنني للأمانة لا أعرف سبباً لوجود (دعاة) (متطوعين ) في مجتمع مسلم 100 % ، خصوصاً إن كان يزخر بعلماء وفقهاء أكفاء ، لم يقصروا يوماً في واجباتهم تجاه أمتهم ، فما الداعي إذن لكل هذا العدد الضخم من المجتهدين الذين اندس بينهم نفعيون وحزبيون وتجار حرب وطلاب شهرة تصدروا المنابر الإعلامية في زمن الإعلام الرديء فصاروا نجوماً يراكمون الملايين باسم الدين، و ( يستظرفون) و( يتميلحون ) باسم الدعوة ،حتى عمت الفوضى لقلة بضاعتهم وغلبة أهوائهم !.
المشكلة الأكبر أن هؤلاء ( النجوم ) لا يقبلون النقد، لذا تجدهم يجيّشون ضدك مجتمعنا (الطيب ) حين يخلطون بين قداسة الدين ، وعصمة الأنبياء من جهة ، وبين انتقاد مسالكهم وأخطائهم وأفكارهم الشخصية من جهة أخرى، فيصورونك أمام مجتمعنا (المتدين) و(البسيط ) وكأنك تقف ضد الدين لا ضد شطحاتهم وبعض تصرفاتهم التي لا تصدر عن مسلم بسيط ناهيك عن من يفترض فيهم القدوة الحسنة ! .
النوايا الطيبة لا تكفي لبناء مجتمع واعٍ ومتماسك ، والفوضى التي نعيشها في زمن نجوم (تويتر) ودعاة الفضائيات تتطلب إعادة تعريف الأشياء ؛ وتسميتها بمسمياتها الحقيقية .. ولأن تعريف الداعية في الاصطلاح العام يعني كل من يدعو إلى خير أو شر فان الشاذين فكرياً ، والخوارج ومنظري داعش سيجدونها فرصة مواتية للعمل، لأنهم يعتبرون أنفسهم دعاة بل إنهم يمارسون الدعوة فعلاً .
الإعلامي والمعلم والداعية هم أكثر من يؤثر في الشباب أيديولوجياً ،وإذا كان الأول والثاني محكومين مهنياً ووظيفياً ورقابياً فان الثالث للأسف لا ضابط ولارقيب له.. لذا تبدو الحاجة ملحة لضبط وتقنين مجال الدعوة ، وحصره في من تتوفر فيهم شروط التأهيل العلمية والعملية والعقلية ، خصوصاً في هذا الوقت الذي اختلط فيه حابل الحق بنابل الفتن والتكفير والإقصاء .
إن سألتم بعد كل هذا من هو الداعية الحقيقي فسأقول بلا مواربة : اقرأوا تاريخ وسيرة ونتاج عمل السميط .. و أحمد ديدات.