ياسر قبيلات- البيان الاماراتية-
لا يبدو أن الكتاب يحظى بالثقة اللازمة في المعركة مع الإرهاب. وهذا ليس لأنه تم تجريبه وفشل، بل لأن الحكومات والمؤسسات تميل إلى الإعلام بصنوفه، وترى فيه أثراً فوريا. ولكن هذا الميل الذي لا ينتبه إلى أن الأثر الإعلامي الفوري قصير ولحظي الأمد جداً. كما أنه يأتي في العادة على حساب الثقافة، ويختزل عدم ثقة تقليدية بالثقافة، وانصرافاً معهوداً عن الاستثمارات الاستراتيجية طويلة الأمد.
وفي المعنى الواضح والبسيط، فإن المعركة مع الإرهاب والتطرف والتشدد والتزمت يتطلب الكثير من الوسائل السريعة العاجلة، كما يستلزم بدرجة ملحة استثماراً طويل الأمد بالثقافة، وأساس ذلك يأتي الاستثمار بالكتاب.
ومن المؤسف هنا، أن الكتاب، بالدرجة الأولى، والكلمة تالياً، هما الضحية الأولى للنزوع الاستهلاكي تجاه التكنولوجيا الذكية، التي اجتاحت البيوت والأيادي، في صورة مشتقات الإنترنت ووسائل الاتصال الإلكتروني. وليس مفهوماً كيف يمكن أن يكون ذلك أمراً طبيعياً، لا يثير القلق ولا التساؤل.
ومن المستغرب أن النزوع العربي التقليدي نحو السياسة، لم يعد لحظة وعي تقود الشباب إلى التسلح بالعلم والثقافة، ولكنه أضحى منزلقاً ينحدر منه الشباب إلى التشدد، ثم الإرهاب، فيتخلى المتعلمون عن علمهم وجامعاتهم، ليتبعوا شذاذ الآفاق الإرهابيين، وهم في غالبيتهم جهلة أو محدودو التعليم، عديمو الثقافة.
وعملياً، فإن مشهد الثقافة العربي المأساوي، وثيق الصلة بالقدرات المفاجئة للإرهابيين على استقطاب شبابنا، ويمكن إدراكه بمأساة الكتاب، ونزعة احتقار الورق، لصالح تمجيد الشاشات الذكية، التي تستجيب باللمس.
ومأساة الكتاب أنه لم يعد يٌنشر، ولا يٌشترى، ولا تتزين بمكتباته البيوت، ولا يوزع، ولا يترجم. بينما أضحى الكتاب مجرد أشخاص «عدميين»، يغامرون برخائهم، لأجل «هواية» لا تدر ربحاً، ولا تضمن عيشاً كريماً.
وتنهار اليوم دور نشر مرموقة، وتموت كتب، ويتحول كتاب مجيدون إلى صحافيين وإعلاميين مغمورين. بينما الجهود العربية في إقامة معارض الكتب لا تثمر أكثر من تظاهرات بروتوكولية سنوية، ولا تلتفت إلى مشكلة النشر والتوزيع وترجمة الكتاب العربي إلى اللغات الأجنبية، بينما يترجم الإرهاب صورتنا العربية، يومياً، ببشاعة دموية إلى كل اللغات الحية!