تواصل » صحف ومجلات

المناصحة الفكرية.. متى نتجاوز الوعظ؟

في 2015/12/14

فهيد العديم

المملكة وثبت وثبات طويلة في محاولة القضاء على الإرهاب.

ونكاد نتفق أن الشق الأمني نجح نجاحا باهرا، لكنْ، حتى الخبراء الأمنيون يدركون أن القبضة الأمنية مهما كانت قوتها واحترافيتها لا يمكن أن تقضي على الإرهاب ما لم تواكبها حركة فكرية قوية وجريئة وشجاعة تناقش الفكر الإرهابي، خاصة من المختصين الشرعيين والعلماء والمفكرين الإسلاميين.

وعندما نطالب بمواجهة فكرية فإن ذلك لا يعني أن نحاور داعش أو القاعدة، فمن حمل السلاح لا يمكن التحاور معه، لأنه لا يؤمن بفكرك أصلا، ولا يرى سوى أنك مرتد وعميل ومارق، إنما يجب أن تكون المواجهة الأولى مع المتعاطفين مع هذه الحركات.

وكي نناقش المتعاطفين ينبغي أن نقترب أكثر منهم لنعرف سبب تعاطفهم.

وأجزم أن من أسباب التعاطف ـ التي أتمنى ألا نهمشها ونبرئ مجتمعنا منها ـ استجلاب أحاديث أشراط الساعة التي يتكئ عليها منظرو هذه الجماعات، وهم نشطون في الشبكة العنكبوتية وفي برامج التواصل الاجتماعي تحديدا، فمثلا كيف سيواجه العامي البسيط أحاديث تتكلم عن «الرايات السود»؟.. «ضعفاء لا يؤبه بهم، قلوبهم كزبر الحديد»، «أسماؤهم الكُنى وكناهم القرى»، «شعورهم مرخاة» ـ هذا الأثر ضعيف من جهة السند، لكنه أثر من كتاب لرجل توفي في القرن الثالث ـ، ومعلوم أن ضعف الحديث شيء ووضعه شيء آخر، فكيف إذا وافق الضعيف الواقع؟أو حديث عدن أبين عن النبي صلى الله عليه وسلم «يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم»، صححه الألباني.

وهذا استغلته القاعدة من قبل وداعش الآن، حيث أصبح اليمن وجهة مفضلة لهم.

وأنا نقلت هذه الأحاديث بهذه الطريقة، لأنني أثق أن الفكرة ستصل لمن يُراد لها أن تصل إليهم، وليس لمناقشة من يفهم هذه الأحاديث فهما ظاهرا، فالأمر هنا يشبه أن تجد سارقا يسرق ويشرعن السرقة، ثم تكتفي بأن «تنصحه» أن يعود إلى رشده، وعندما لا يرعوي تقول إنه مرق من الإسلام كما تمرق الرمية من السهم، أي أنك قلت إنه كافر ومضيت، فيما هو يستشهد بما ورد في كتب التراث من مرويات مثيرة جدا.

لذلك يجب أن يعود العلماء لهذه الأحاديث التي أصبحت محركا للحركات الجهادية، لماذا لا يناقشها العلماء؟ هل فات ذلك عليهم أم...؟ ولتتسع قائمة الأسئلة: هل ورد لفظ الدولة في أحاديث أشراط الساعة؟ وهل جاء النص بأجناد التي تنشط في اليمن والعراق والشام؟هل جاءت الأخبار والروايات بأن هناك رايات سودا تخرج قبل ظهور المهدي، وأن الرايات السود تختلف فيما بينها في الشام؟ وما قصة فتح الشام ثم العراق ثم الجزيرة العربية؟لا أعتقد أن الرد على من ينزل هذه الأحاديث في غير منزلها صعب.. الأهم أن نبادر لتبيان ذلك، ليس لهداية المتطرفين، بل لحماية أبنائنا.