عيسى الحليان- عكاظ السعودية-
للأمانة هي المرة الأولى في حياتي التي شعرت من خلالها بأن ثمة إرادة سياسية حقيقية لتطوير التعليم، ربما كانت هذه الإرادة موجودة، لكنني حقيقة لم أشعر بها قط كما شعرت بها عند تعيين الدكتور أحمد العيسى وزيرا للتعليم !!
كتبت مقالين عن الرجل وهو خارج المنصب وذلك على خلفية المؤلفين الهامين اللذين صدرا له واللذين شكلا نقطة التحول الحقيقية للرجل وللوزارة وللمجتمع في آن واحد، وقلت حينها (المقال منشور في 13/9/1434هـ) إنه يتعين على كل سعودي مخلص أن يقرأ هذين الكتابين لا لأسباب تعليمية فحسب، وإنما لأسباب وطنية عليا.
أجيال كثيرة من الأكاديميين والتربويين تعاقبت على مناصب رفيعة في التعليم العام والجامعات لكنهم لم ينبسوا ببنت شفة ولم يتركوا من بعدهم أي أثر تعليمي أو موقف وطني كما فعل هذا الرجل المخلص.
في كتابه الأول «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية» تناول الدكتور العيسى بالرصد والتحليل الجريء أسباب إخفاق مشاريع الإصلاح وبرامج تطوير التعليم بوضوح تام وهذا ما نحتاجه اليوم من وزير يملك رؤية عميقة ويسعى لإعادة إنتاج هذه المشاريع الإصلاحية بفكر وأدوات جديدة لتتحقق على أرض الواقع.
أما في كتابه الثاني «التعليم العالي في السعودية» فقد كان الرجل أكثر وضوحا وجرأة وهو يشير في مقدمته إلى أن هذا القطاع الهام لم تتحرر أنظمته ولوائحه من قبضة المركزية وعنفوان البيروقراطية ومن مناخ العبودية على حد قوله !!
لقد كان كتابا مختلفا شكلا ومضمونا عن تلك الكتابات المؤدلجة التي تحمل دفاعا عن كل ما هو قائم على حد وصف وتعليق الدكتور غازي القصيبي على الكتاب الأول.
هذه خطوة بالغة الأهمية تحسب تاريخيا للملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، فلأول مرة يعطى منصب سيادي هام لرجل قفز من مركب التعليم في الوقت المناسب وتفرغ لنقده من جذوره ليعود مرة أخرى للتعليم ولكن من بوابة الوزارة هذه المرة وفي عهد سلمان وهذا خروج عن التقليد المتوارث الذي تعمل بعض الدوائر القريبة من صاحب القرار على إذكائه وأن صاحب مثل هذا الفكر الإصلاحي الحر مشكوك بولائه أو وطنيته وهذا ما كسر قاعدته الملك سلمان والذي أعادنا إلى عصر وفكر الملك عبدالعزيز في طريقة وحرفنة التعامل مع المخلصين والوطنيين - وإن كانوا يملكون رؤية مختلفة - ليكسب خدماتهم وولاءهم للوطن.