قينان الغامدي- الوطن السعودية-
كثيرون ينتقدون تركيزي المستمر، على ما سمي "الصحوة" ونتائجها الكارثية على وطننا، على كل المستويات، التنموية، والاجتماعية، والاقتصادية، وحتى السياسية، ويظنون أنني أتصيد أخطاء المتدينين -كما يزعمون ويتوهمون- وهفواتهم، للتشنيع عليهم وهذا غير صحيح. الحقيقة –عندي– أن هؤلاء المنتقدين إمّا أبرياء جهلة جهلا بسيطا، ولا يعون أن التدين محترم ومطلوب وواجب، عندي وعندهم، لكن التدين الحقيقي لا الشكلي الهادف إلى أمور
أخرى قد يعلمها المتدين "الشكلي" وقد لا يعلمها، أو أنهم –وأقصد المنتقدين– من أولئك الواعين لأهمية امتطاء الدين لتحقيق أهداف تنظيماتهم في السلطة وغيرها، ويريدون إيقافي أو إبعادي، أو تشويهي، لأنني أفسد عليهم "الطبخة"!! والحقيقة التي أراها –بعيني وعقلي وكل جوارحي– يوميا، وفي كل لحظة، أن ما سمي بالصحوة، أنتجت في وطننا فئتين كبيرتين جداً، كلاهما ضار، وخطير، وما لم يتم الانتباه لهما سريعا واستئصال تأثيرهما، واجتثاثه
عاجلاً غير آجل فإن الوطن كله الآن "قيادة وحكومة وشعباً، ومشاريع تنموية ضخمة جداً منجزة ومعروفة، وكل مكونات الوطن" في خطر ماحق، غير بعيد! الفئة الأولى: المتشددون "الحركيون" المنظمون بدقة، لتحقيق أهداف سياسية تنتهي بهم إلى السلطة، وهؤلاء تتبعهم جماهير هائلة من "الدراويش" المؤثرين، ومن المغفلين والعامة والدهماء، المتدينون بالفطرة، وهذه الفئة هم "السروريون" المتمكنون منذ عقود، والمتوغلون في المفاصل الهامة، توجيها وتعليماً واستشارة وقراراً، ولا يهم –الآن– التسلسل التاريخي لنشوء "السرورية" وتوغلها، وانتشارها انتشار النار في الهشيم، لكن المهم الآن أنها موجودة وجماهيرية دعاتها ورموزها بالملايين داخل الوطن، والدين ليس سوى رداء
شفاف، يمهد ويسهل لها الطريق نحو "السلطة"!! الفئة الثانية: كبيرة ومنتشرة، ومعظم أفرادها أصحاب قرار، وتأثير في مسيرة البلد، وهؤلاء أصحاب مصالح خاصة، وزئبقيون، ممالئون للفئة الأولى، وينافقونها ويستجيبون لها،
ويخدمونها بالتمكين والتأييد، ولا يصل من خلالهم -بحكم نفوذهم وقربهم من صناع القرار- إلاّ ما يخدم مصالحهم، ويخدم الفئة الأولى، وذلك بالتخفيف من خطرها، والتقليل من شأن ما تفعل، وكثير من هذه "الفئة الثانية" يصورون لولاة الأمر أن الفئة الأولى هي السند والداعم لهم، بل وأبعد من ذلك يسعون لإقناع صانع القرار أنه: لولاهم لما استمر حكمكم ولما توطدت الوحدة الوطنية، وهذه أكبر خدعة تاريخية يتعرض لها وطننا
"السعودي العربي الإسلامي" في الثلاثين سنة الماضية، فالملك عبدالعزيز، رحمه الله، حين ظهروا في عهده التأسيسي المضني، عرف كيف يتعامل معهم، ويحاورهم، ويداريهم، وأخيراً –عندما يئس منهم– حسمت "السبلة" الموقف نهائياً، واستطاع أن يكمل مسيرته ويؤسس "المملكة العربية السعودية" كأعظم وحدة عربية شهدها التاريخ الحديث. إنني حين أركز على خبايا ما سمي "الصحوة" لا أتقصد المتدينين الأبرياء، ولا أتوهم خطر "الحركيين"، بل أتحدث عما أعرف، وأحذر من خطر ماحق أراه بأم عيني "وعقلي"، ولست الوحيد الذي يراه، ويخافه ويضع يده على قلبه، متألماً، على وطن عظيم مثل وطننا لو حصل له أي مكروه –لا قدر الله– ولولا الله، ثم الملك عبدالعزيز و"آل سعود"، لما قامت وحدة وطنية كالتي نعيشها، ولا تنمية ولا منجزات ولا تحضر ولا أي شيء، فأنا أعرف مكونات وطني الاجتماعية القبلية والطائفية، والمناطقية، والعنصرية، وأعرف أنها تحتاج وقتا وقوانين وأنظمة لصهرها لم تتحقق حتى الآن إلا شكلياً، فكلنا ما زلنا نلاحظ ونعرف ما يحدث باسم المنطقة والقبيلة والطائفة والطبقة، وليس مفيداً أن ننكر وجودها، بل الأهم والمفيد أن نفكر كيف نذيبها، ونصهرها، وكل مقومات ومعطيات التفكير في إذابتها
وصهرها، متوفرة لدينا، وكل ما نحتاجه لها من إمكانيات مادية وبشرية متوفر وموجود، ووطننا يستحق أن نضحي من أجله، بالقول والفعل، وقيادتنا "آل سعود" قطعاً، حريصون على الوطن ووحدته وتنميته، ووضعه في صدر الحضارة المعاصرة، وهم يدركون وغالبية الشعب السعودي يدرك أن –آل سعود– هم ضمان وحدتنا الوطنية، وتنميتنا إلى الأفضل مكانا وزمانا وفكرا، ونحن نعرف، وهم يعرفون، أن في وطننا أخطاء وسلبيات وفسادا،
وكلها تحتاج للتضامن بالرأي والعمل للإصلاح، وهم ونحن نعلم وندرك، أنه لولا تلك الأخطاء والسلبيات والفساد، لكنا في وضع أفضل، مادياً ومعنوياً وتنموياً، وكلنا "قيادة وحكومة وشعباً" ندرك ونعرف أن أشياء عظيمة كثيرة تحققت ونعيشها اليوم ويجب أن نحافظ عليها، وننميها، من أجل أبنائنا وأحفادنا القادمين، ولتظل "السعودية" رائدة –كما هي الآن- اقتصاديا وسياسياً، وتبقى مآذن الحرمين الشريفين ومنبراهما صادحة في آذان
العالم كله، تحت رعاية ودعم وخدمة قيادتنا وحكومتنا وشعبنا، ولنبقَ جميعاً آمنين ومستقرين، ومنتجين، ليس لخدمة وطننا فقط، بل ومؤثرين في التحضر والسلام العالمي كله، ونحن قادرون إن أردنا، وخططنا ونفذنا. وهذا ما أرجوه.
فما بالنا نحاول كتم وتسفيه وتحقير كل صوت هدفه، تنويرنا عن خطر الفئتين اللتين أشرت إليهما أعلاه، وهما واقع معاش وخطر متوغل قاتل للوطن، وواضح، فلماذا بدلاً من توزيع التهم –مجاناً– والمداراة الضارة، لا نتصارح، ونضع أيدينا وعقولنا وجهودنا، من أجل درء الخطر الذي سيأكلنا جميعاً، وليس فئة منا، ويفقدنا وطننا كلنا، وليس مجرد تمكين فئة، ودحر فئة أخرى. الخطر عام، ودحره يجب أن يكون هاجساً بالليل والنهار
لكل مواطن محب لوطنه، وأرجو ألاّ يأتي –بعد كل هذا الشرح– من يقول: أنت تعادي الدين وتريد هدمه، فالدين محمي بإذن الله، وخدمته هو ما تفعله دولتنا كلها "قيادة وحكومة وشعباً"، لكني أود أن أختم بأن "السعودية" وطن لنا، وليس محطة "ترانزيت" نحو القبر، كما يصوره لنا "السروريون" الحركيون، الذين يريدون تحويله كله إلى قبر، ليبنوا عرشهم فوقه، فالله استخلفنا فيه لعمارته لا لخرابه! "السعودية" وطن عظيم، وليتنا ندحر الخطر الداخلي، فالخارجي أسهل بكثير مما نتصور!!