نادين البدير- الراي الكويتية-
تخيلوا أن شاباً من الطرف الغربي من العالم سافر إلى هنا، ونفذ مهمة تفجير نفسه، باسم الصليب، في إحدى ساحاتنا العامة.
تخيلوا أن مبنيين شاهقين أسقطا في إحدى العواصم العربية، وظهرت جماعة مسيحية متطرفة يرتدي أفرادها أزياء عمرها الألف عام، لتعلن مسؤوليتها عن الحادث، وتؤكد تصميمها على إحياء علوم المسيح او بعض الاجتهادات المسيحية كما تفهمها الجماعة، وإرجاع عهده وعهد تلاميذه، وتطبيق بعض وصايا متفقهين في الطوائف المسيحية كل حسب طريقته.
وتخيلوا أصواتا لرهبان وقساوسة تصل مسامعنا من كنائس ومعابد داخل العالم العربي وخارجه، وهي تصرخ أمام مكبرات الصوت داعية على المسلمين واصفة اياهم بالكفرة وهاتفة:«اللهم دمر المسلمين واهزمهم أجمعين».
تصوروا أننا منحنا مجموعات أجنبية لا حصر لعددها إقامات وهويات وجنسيات ووظائف ملائمة ومقاعد دراسية مجانية،علاجا متقدما مجانيا، تأمينا وغيره. ثم يخرج مارد الكره من بين المهاجرين كالهمجي المتعطش للدم فيقتل ويسفك أرواح أبنائنا في شوارعنا وداخل مبانينا وصحفنا ومساجدنا ومدارسنا.
تخيلوا فرنسيا أو ألمانيا يقيد جاره المسلم في برلين أو باريس لينحر رقبته ثم يجمد رأسه بكل برود داخل البراد الذي يشبهه، كما فعل الإرهابي برأس الأميركي في مدينة الرياض قبل سنوات.
تخيلوا اننا نزور أراضيهم كسياح فيرشقوننا بالرصاص ويفجرون بنا وسائل النقل معلنين رفضهم لوجودنا هاتفين: «أخرجوا المسلمين من بلاد الحضارة».
هذه الصور مستبعدة من مخيلة الإرهابي العربي أو المسلم لأنه يثق، أو كان واثقا، بإنسانية الغرب ورفض المواطن الغربي للرد على تلك الجرائم الوحشية. رغم كل ما فعله إرهاب القاعدة وداعش، سرنا في أراضيهم على مدى سنوات بلا أدنى خوف أو قلق. ملايين من السياح المسلمين والمهاجرين والطلاب والباحثين عن فرص عمل ورزق، والأبواب مفتوحة والشوارع مطمئنة.
لكن إلى متى؟
اليوم اختلف الأمر. وظهر الغضب. نشروا تصريحات مخيفة، بطل آخرها كان دونالد ترامب يطالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
غريب اعتقادنا بامتلاك حق استنكار تلك التصريحات. بدلا من أن نلتفت خجلا الى ما جنته بعض المناهج المتطرفة وبعض تربيتنا وتنشئتنا وأنظمتنا التي استهترت بواجب بناء الإنسان. غريب استنكارنا بدلا من الالتفات لداخلنا وطرق فهمنا المتطرف للشرع وأساليب تعاملنا الرجعي مع بعضنا ومع العالم.غريب استنكارنا بدلاً من الاعتذار للعالم.
شنت الحملات ضد تطرف ترامب وماري لوبين اليمينية.
ولو أننا بقينا صامتين. فمن رد عليهم كان العالم الغربي نفسه. البيت الأبيض أعلن أن تصريحات ترامب لا تعكس القيم الأميركية. اسكتلندا سحبت منه دكتوراه فخرية كانت اعرق جامعاتها منحتها له سابقا، والأوروبيون يؤكدون أن قوى التشدد لا تمثل مبادئ حريتهم واستيعابهم للآخر.
إلى متى سيستمر الإرهابي بتوجيه الضربات ويتشبث الغربي بنبذه للعنف؟
ماذا ستكون ردة فعلك لو أن أوروبياً فجر مسرح مدينتك أو المقهى الذي يرتاده ابنك؟ وماذا ستفعل لو سمعت اللعنات على دينك ومعتقدك أيام الآحاد، كما يسمعون هم من بعض ائمتنا أيام الجمعة او غيرها؟
تخيل نفسك في أمستردام أو لندن أو نيويورك، وعرفت أن الطلبة هناك يدرسون بمناهجهم أنك كافر وأن أمر قتلك جهاد يوصل للحور العين، هل كنت لتمضي بقية الصيف أو تبتعد أو تفجر نفسك أو تفعل أدنى الأمرين فتنفس عن غضبك وتطالب بمنع دخول المسيحيين بلاد العرب؟
ماذا كنت ستفعل؟
وأي حرب ستندلع لو تخلى الغربي عن قيمه أمام جرائم الدم الدخيلة وظهر تطرف غربي أو مسيحي مضاد في مدننا العربية؟
بعد كل هذه المهازل يخرج عليك محلل عربي مهزوز بخطاب هش يردد صاحبه عبارة مكررة ملايين المرات: هؤلاء لا يمثلون الا انفسهم وليس الاسلام.
هذا فقط ما تحويه جعبتنا. مجرد تبرئة.