تواصل » صحف ومجلات

الوطن ملك خاص لكل مواطن: هذا وقته دائما

في 2015/12/15

قينان الغامدي- الوطن السعودية-  

حين أكتب عن بعض الحقوق، أو بعض ما يستغل للإساءة الحقيقية إلى المملكة من داخلها جهلاً أو عمداً، أجد الغضب من البعض، وتعليقاتهم موثقة وموجودة، وسبب الغضب قولهم: إن هذا ليس وقته، فنحن نواجه الآن عدواً خارجياً فاهتم به أولاً، والحقيقة أني لا ألوم هؤلاء، وليس من حقي أن ألومهم، فلهم الحق في أن يقولوا رأيهم! سواء اتفقت معه أو اختلفت، ولكني فقط أسألهم: متى الوقت المناسب لطرح كهذا؟ يبدو لي أن كثيرين لا يعرفون الفرق بين وضعنا الداخلي الذي يجب أن نعالجه، بانتظام واستمرار، وصبر، وتقييم وتقويم، وسرعة، وبين وضعنا الخارجي الذي حتماً يتأثر ويتغير حسب تغييرات واتجاه رياح السياسة الدولية. فنحن –وأقصد المملكة– فرد في منظومة دولية كبرى تضم كل دول الأرض، وبفضل الله ثم بفضل البترول أصبحنا في مكانة دولية مؤثرة في اقتصادات العالم، ومكانتنا السياسية معروفة ثقلاً وتأثيراً، ولهذا فلا يصح أن نربط بين الوضع الداخلي، وبين الوضع الخارجي، فالداخلي يجب أن يسير وفق استراتيجيات وخطط لا تتغير إلاّ حسب ما تقتضيه الطبيعة والتنمية، أما ما هو متفق عليه –وهو الأكثر الأغلب– فيجب أن يستمر وينمو ويتطور وهذا هو السائد والمعروف، أما السياسة الخارجية فلها ظروفها وتقلباتها وتنازلاتها، وموافقاتها وتوفيقاتها، وهذا يجب أن نتركه للسياسيين والقادة، فهم أدرى بما يقدمون عليه ويحجمون عنه! والمشاركة بالرأي فيه لها محاذيرها وطرقها ومعلوماتها التي لا تتوافر غالباً بدقة، وهذه طبيعة منعطفات السياسة.

أما شأننا الداخلي المحلي، فيجب ألاَّ يعزلنا عنه أحد، ولا يحول بيننا وبينه أحد، فهذا واقعنا، وهذا مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا، ونحن نريدهم، أن "يذكرونا بالخير" لا أن "يلعنونا" والعياذ بالله.

كل مظاهر وخفايا التنمية المحلية داخل المملكة هي شأن عام للناس، ومن يتخلى عن إبداء رأيه، ومطلبه في هذا الحق الوطني؛ فهذا شأنه، لكن لا يجوز لأي وزير أو مسؤول حكومي أن يقول: هذا شأني وحدي، ولا أحد يتدخل..!؟ لا يا سيدي، هذا حقنا كلنا ويجب –ليس يجوز فقط– في أن نتدخل ونقول: هذا يصلح أو لا يصلح! وعلى المسؤول –أي مسؤول– أن يرد، ويوضح، ويقدم المعلومات التي قد تكون غائبة، أو يصلح الأخطاء إن كانت موجودة، ويتلافى التقصير أينما وجد.

ومثلما نطالب المسؤول، يجب أن نقول للمواطن، إن دورك حيوي ومهم جداً، سواء في نقد الأخطاء أو المحافظة على الخدمات والمنشآت، إذ يجب عليك أن تشعر أن كل مشروع عام في الوطن هو لك، هو ملكك أنت وأولادك وأحفادك، فإذا شعرت بهذا ستعرف كيف تتعامل معه وتحافظ عليه، وتحول بينه وبين أي عابث أو مستهتر.

صحيح أنه لا بد من أن توجد أنظمة وقوانين تطبق بدقة، ويجازى كل من يعبث أو يسيء جهلاً أو قصداً، لكن إلى أن توجد تلك الأنظمة وتطبق؛ فإن دور المواطن مهم جداً، في استخدام المنشآت كلها بما يحافظ عليها ويحميها، مثلها مثل حفاظه على منزله، فهل يقبل أي منا أن يأتي من يقذف النفايات في فنائه أو عند بابه؟ أو يأتي من يعبث أو يكسر جدران بيته؟ لا أحد يقبل بطبيعة الحال، فلماذا نقبل أن نرى من يلقي النفايات في الحدائق العامة أو الطرق أو غيرها؟ ولماذا نرى من يركب الرصيف بسيارته الضخمة ولا تمنعه أو تبلغ عنه على الأقل؟ ولماذا دورات المياه في معظم المساجد والحدائق، مكسرة وسيئة؟ ولماذا... ولماذا...؟

هل ما زلنا على قناعة نتوارثها بأن هذا ملك الحكومة! ثم إن الأنظمة والقوانين هي من يولد الوعي وليس العكس، لكن الغالبية العظمى ينضبطون حين يسافرون إلى البلدان الأخرى، في كل شيء، وصحيح أن في تلك البلدان أنظمة، لكن صدقوني أن مواطني تلك البلدان المتقدمة منضبطون، ليس خوفاً من الأنظمة فقط، فلو سألت كثيرين في أي بلد أوروبي –مثلاً– عن عقوبات أي نظام لوجدته لا يعرف، لكن الكل هناك يشعرون أن هذه المنشآت ملك عام هم شركاء فيه ومسؤولون عنه.

ومرة أخرى أقول إن وطننا محتاج بإلحاح وسرعة إلى تلك الأنظمة، لكن يجب –وهذا لا يكلفنا شيئاً– أن نستشعر وندرك أنه ملكنا جميعاً، وكلنا مسؤولون عن كل جزئية داخله، نقداً، وتصويباً، وتطويراً، ومحافظة شديدة. فكل هذا، هذا وقته الآن، وغداً، وكل لحظة إلى أن يتوفانا الله.