تواصل » صحف ومجلات

هل بدأ موسم التقارب الإماراتي التركي؟

في 2015/12/16

الخليج الجديد-

«بصفتي رئيسا لتركيا أقول إنه لا بد من إزالة أسباب التباعد في أسرع وقت ممكن، وهناك سبب واحد (للتباعد)، وهو الأحداث في مصر، إلا أنه يجب حل ذلك بالطرق الدبلوماسية، وليس بالحديث ضد بعضنا البعض»، هكذا صرح الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان»، الجمعة الماضية. التصريحات التي تلقتها الإمارات بشكل إيجابي بدورها، حيث أبدى وزير الدولة الإماراتي «أنور قرقاش» استعداد بلاده لتحسين العلاقات مع تركيا، مؤكدا، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، أن «الخلاف التركي الإماراتي حول التطورات المصرية آن الأوان لتجاوزه، المنطقة لا تتحمل مثل هذه الخلافات ومصر من مفاتيح الاستقرار، وشعبها قرر مساره».

هذه البادرة الإيجابية المتبادلة، ربما تعد جملة اعتراضية في سياق علاقات متوترة دامت قرابة 3 سنوات. ولكنها تفتح الباب للتساؤل حول إذا ما كانت هذه الجملة مجرد مغازلة عابرة حقا، أما أنها تصلح كبداية لمقاربة دبلوماسية جديدة بين البلدين.

حرب التصريحات الإماراتية التركية

يبدو أن البلدين قررا أن يتصارحا مع طبيعة الخلافات القائمة بينهما والتي تدور بشكل كبير حول الملف المصري، والموقف من الربيع العربي بصورة عامة. كانت الإمارات العربية المتحدة هي أبرز الداعمين لإطاحة الجيش بالرئيس «محمد مرسي» منتصف عام 2013. وقدمت مساعدات بمليارات الدولارات، جنبا إلى جنب مع المملكة العربية السعودية، من أجل توطيد أركان النظام العسكري الحاكم في مصر. الموقف التركي على النقيض تماما، رفض الاعتراف بالإجراءات التي جرت في مصر في أعقاب 3 يوليو/ تموز، كما دأب الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان »على توجيه الانتقادات لمصر، ولرئيسها «عبد الفتاح السيسي» بالأخص، بسبب الانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيا، والانتهاكات الحقوقية غير المسبوقة التي يرتكبها النظام المصري، كما فتحت تركيا أراضيها لاستقبال الفارين من رموز المعارضة المصرية، وفي مقدمتهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين.

على مدار الأشهر الماضية، ازدادت حدة الاشتباك الإعلامي بين البلدين. سخرت أبو ظبي وسائل إعلامها، ووسائل الإعلام الممولة من طرفها للهجوم على تركيا وبالأخص الرئيس التركي «أردوغان». وصعد الإعلام الإماراتي من هجومه على «أردوغان» خلال تغطيته للانتخابات البرلمانية  التركية الأخيرة التي أجريت في مطلع نوفمبر/تشرين الأول الماضي، إلى درجة وصفه بـ«الديكتاتور» من قبل شبكة «سكاي نيوز »الممولة إماراتيا. ناهيك عن المزاعم المتواصلة من وسائل الإعلام الإماراتية لتركيا بدعم تنظيم «الدولة الإسلامية».

في بداية الأمر كان الرد الفعل التركي يتجاهل بشكل كبير الاتهامات الإماراتية، ومع الاكتفاء بالنفي الرسمي للاتهامات الإماراتية لأنقرة بدعم «الدولة الإسلامية» على يد عدد من كبار المسؤولين أبرزهم رئيس الوزراء التركي «أحمد داوود أوغلو». مؤخرا، دخلت الصحف التركية هي الأخرى على خط المواجهة مع الإعلام الإماراتي، وجاء ذلك عبر اتهام عدة صحف تركية لوكالة الأنباء الإماراتية الرسمية «وام» بتحريف تصريحات «أردوغان» حول قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» بإسقاط طائرة الركاب الروسية في سيناء. وجاء الرد الأبرز للإعلام التركي عبر الكاتب الشهير «إسماعيل ياشا»، المعروف بقربه من الدوائر الحاكمة في تركيا. حيث اتهم «ياشا» دولة الإمارات العربية المتحدة، وولي عهد أبوظبي، الشيخ «محمد بن زايد» بالسعي نحو تفجير السفارة التركية في ليبيا قائلاً إن القبض على من وصفه بـ«الجاسوس الإماراتي» في ليبيا، كشف أن أبو ظبي خططت لتفجير السفارة التركية في طرابلس وتدعم تنظيم «الدولة الإسلامية» هناك.

هل سعت الإمارات لتقويض استقرار تركيا؟

وألمحت تركيا في أكثر من مناسبة، بشكل غير رسمي، إلى استهداف الإمارات تشويه سمعة الحكومة التركية وتقويض جهودها. شملت هذه التلميحات الإشارة إلى جهود إماراتية في التعاون مع صربيا بهدف إفشال الجهود والمساعدات التركية الموجهة إلى منطقة البلقان. بالإضافة إلى تقديم الرشاوى إلى كتاب أوربيين من أجل الهجوم على تركيا في الصحف العالمية. وبلغ الأمر حد الاشتباه في تورط الإمارات في العمل مع خصوم «أردوغان» السياسيين، وعلى رأسهم «فتح الله جولن» المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى إشارة عدد من الكتاب والمحللين الأتراك، مثل «محمد زاهد جول» إلى وجود تحركات للأجهزة الإماراتية داخل تركيا تستهدف التجسس على قيادات الإخوان المسلمين وحركة حماس ورموز المعارضة السورية المقيمين فى تركيا.

وسبق أن ذكرت صحيفة «عربي21 » في نوفمبر/تشرين الأول الماضي، نقلا عن مصدر وصفته بأنه مقرب من دوائر صنع القرار في أنقرة أن مسؤولين أتراك وضعوا أيديهم مؤخرا على وثائق وأدلة تثبت تورط دولة الإمارات في تقديم الدعم سرا لحزب العمال الكردستاني، وتأجيج الاضطرابات في تركيا خلال الأشهر الأخيرة.

وقد سبقت الإشارة منذ حوالي عام إلى قيام شخصيات أمنية إماراتية بلقاء ممثلين عن حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، إلا أن أيا من تركيا أو الإمارات لم يؤكد أو ينف هذه المعلومات، وإنما تم تجاهلها بالكامل في ذلك الحين.

ويميل العديد من المراقبين إلى تفسير الهجوم المتكرر للقيادي المفصول من حركة فتح، «محمد دحلان»، ضد تركيا في سياق الحملة الإماراتية ضد البلاد.

يقيم «دحلان» في أبو ظبي ويتمتع بعلاقات وثيقة مع ولي العهد في البلاد «محمد بن زايد»، وتشير مصادر متواترة أن أبوظبي تدعمه لخلافة الرئيس الفلسطيني الحالي «محمود عباس». في كلمة له مؤخرا أثناء انعقاد «مؤتمر الأمن التعاوني والتهديدات المترابطة» الذي اختتم أعماله في مدينة بروكسل البلجيكية، اتهم دحلان تركيا صراحة بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم «الدولة الإسلامية»، قائلًا: «تدرك أوروبا أن تجارة النفط من قِبل داعش تتم عبر تركيا، وهي تغض الطرف عن ذلك، وتعلم أن الجزء الأكبر من الإرهابيين وصلوا إلى سوريا من خلال تركيا وتغض النظر عن ذلك أيضا». وواصل «دحلان» هجومه على الرئيس التركي زاعما أن يحاول استعادة الإمبراطورية العثمانية على حساب العرب.

وقد ظهر «دحلان» خلال الأسبوع نفسه في اجتماع داخل الكريملين بصحبة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، الذي سبق له أيضا أن اتهم تركيا بالتعاون مع تنظيم «الدولة الإسلامية»، إثر التوتر القائم بين البلدين على خلفية إسقاط الطائرة الروسية.

الإمارات وإشارات التقارب السعودي التركي

تراقب الإمارات بالكثير من الحذر خطوات التقارب بين السعودية وتركيا. كانت السعودية هي الحليف الأكبر للإمارات في مواجهة صعود الإسلام السياسي في دول الربيع العربي. وقد دعمتا سويا الانقلاب العسكري في مصر وساهمتا في تحجيم نفوذ الإخوان في كل من اليمن وليبيا. ولكن جملة متغيرات سياسية أسهمت في تغير الموقف السعودي ليصبح أكثر قربا إلى تركيا. استولى الحوثيون على صنعاء، العاصمة اليمنية، في سبتمبر/أيلول من العام 2014، ورسخت الميليشيات المدعومة من إيران تواجدها في سوريا. ثم جاء الاتفاق بين إيران والقوى الكبري في يوليو/ تموز ومن بعده التدخل الروسي في سوريا. صارت السعودية أكثر قلقا تجاه إيران، وأقل اهتماما بمحاربة الربيع العربي وخصوصا الإخوان المسلمين.

مع مرور الوقت يزداد التحالف بين السعودية وتركيا رسوخا، وتفقد الإمارات بشكل كبير حظوتها ونفوذها لدى الجارة الخليجية. لذا تبدو الإمارات في اليمن، تعمل مع السعودية وضدها في ذات الوقت.

شاركت الإمارات في الحرب محملة بمخاوفها الخاصة أيضا. ووفقا للكاتب البريطاني «ديفيد هيرست» فإن نجاحا سريعا للحملة السعودية في اليمن من شأنه أن يعزز «علاقة الرياض مع أنقرة، وسيقود إلى مرحلة جديدة من التحالف بين البلدين، ولكن هذه المرة في سوريا»، فضلا عن أن أي عمليات برية قد تجعل التحالف العربي مضطرا من جديد للتعامل مع التجمع اليمني للإصلاح، وهو ما يعد أحد الخطوط الحمراء الإماراتية.

ويؤكد «هيرست» أن الملك «سلمان» ليس راغبا في استرضاء الإمارات، «لأنه يعرف معرفة يقينية بارتباطاتهم بعلي عبد الله صالح وبابنه أحمد»، ما جعل الإماراتيين يتوجسون من عواقب النجاح السعودي في اليمن، الذي قد يؤدي بدوره إلى حدوث تغيير في التحالفات الاستراتيجية، قد ينتج عنه دخول السعودية في حلف مع تركيا، بحسب قوله.

هل تشهد إنفراجا؟

تدرك القيادة السياسية في أبوظبي أن علاقتها بالمملكة العربية السعودية تزداد توترا من اليمن إلى سوريا. وأن علاقات متوترة مع كل من الرياض وأنقرة قد تعني على المدى المتوسط حلفا بين البلدين الكبيرين يتجاهل مصالح أبو ظبي. الملف المصري، أبرز ساحات الخلاف الإماراتي التركي، يشهد ركودا بشكل ما. النظام العسكري مستقر بشكل كبير، ولا يبدو أن هناك خطر كبير من أن أي خطوة قادمة في مصر سوف تعني العودة إلى ما قبل 3 يوليو/تموز.

في ذات الوقت لا تبدو الإمارات راضية كليا عن أداء نظام «السيسي» رغم كل ما قدمته له مساعدات. في ذات الوقت الذي أشارت خلاله تقارير صحفية أن السعودية لا تمانع لدراسة مجموعة من البدائل المحتملة للانتقال السياسي في مصر. لا نستطيع أن نخمن على وجه الدقة حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها أبو ظبي في مصر ثمنا لجسر الهوة في علاقتها مع تركيا ولتحسين علاقاتها مع السعودية. في ذات الوقت يبدو الملف السوري أكثر تعقيدا، حيث أيدت الإمارات التدخل العسكري الروسي في سوريا في الوقت الذي رفضته كل من السعودية وتركيا، وفي الوقت الذي قامت فيه تركيا بإسقاط طائرة روسية انتهكت مجالها الجوي في سوريا، فإن الإمارات، على لسان وزير خارجيتها، صنفت الخطوة التركية كأحد الأعمال الإرهابية، ثم لن تلبث أن تراجعت عن التصريح واتهمت وسائل الإعلام بتحريفه.

على أرض الواقع تبدو مساحات الاختلاف أكبر من أن يتم جسرها بمفاوضات تقليدية وتبدو الهوة أقرب للاتساع منها إلى الالتئام لأنها تستمد حضورها من الخلاف حول أمور يعتبرها كلا الطرفين استراتيجية، إلا إذا كان المسؤولون في كلا البلدين سيقدمان الكثير من التنازلات على طاولة التفاوض أمام بعضهما البعض.