تواصل » صحف ومجلات

عن أية خلافة يتحدثون؟

في 2015/12/17

عبدالعزيز الثنيان- الحياة السعودية-

بدأت الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وصار لها كيان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومن بعده كان الخلفاء الراشدون، ومن ثم صارت الأسر الحاكمة للعالم الإسلامي، وتحول مقر الحكم إلى دمشق مع الأُمويين، وتَسمَّت الدولة الإسلامية باسمهم، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية في عهدهم، ثم جاء العباسيون ونقلوا مقر الحكم إلى بغداد، وقامت الدولة العباسية وتغير اسم الدولة إلى اسمهم، وشاركهم الأمويون في حكم العالم الإسلامي في الأندلس، ولهذا صار للمسلمين دولتان؛ العباسية في المشرق، والأموية في الأندلس.

بعد ذلك تجزأ العالم الإسلامي وتفكك إلى دويلات وإمارات، إلى أن جاء العثمانيون وحكموا معظم العالم الإسلامي وسمَّوه باسمهم، ثم تحول العالم الإسلامي إلى دول عدة، لكل دولة نظام حكم يختلف عن الأخرى، ويتناقل المسلمون الحديث النبوي بعودة الخلافة كما كانت على منهاج النبوة. لكن كيف العودة؟

إن واقع العالم الإسلامي تغير عما كان عليه في العصور الأولى، لقد اتسعت رقعته، وتباعدت أقطاره، وتعددت أجناسه، وتنوعت لغاته، وتباينت أشكاله، واختلفت نظمه السياسة، وأشكال الحكم فيه، ويتعذر وجود إمام واحد يحكم العالم الإسلامي كله، ولهذا كيف تكون العودة؟ هل تتصارع هذه الدول، وتسفك الدماء المحرمة ليكون لهم حاكم واحد؟ ونعلم حرمة الدم في الإسلام! أم أن تحلَّ الفوضى ويعم الخراب، ثم يتوحد العالم الإسلامي ويكون له حاكم واحد؟ ومعلوم أن الإسلام دين خير وحب، وعمل وعمارة، وليس دين هدم وخراب. وهل يقول عاقل: إن زعماء الدول الإسلامية سيصبحون ذات يوم ويتسابقون لتنصيب حاكم واحد لهم؟ إن الواقع والتاريخ يقول خلاف ذلك! فكيف إذاً تعود الخلافة على منهاج النبوة، والعودة تعني واقعاً كان قائماً ثم يعود؟

إن منهاج النبوة الذي وعد الرسول بعودته، هو التطبيق العملي لشرع الله، وليس التطبيق القولي، إنه يترجح لديَّ أن العودة للمنهج وليس الشكل، الجوهر لا المظهر، العودة هي الحكم بشرع الله وليس بحاكم واحد للعالم الإسلامي كله، إن العودة هو أن تتسارع الدول الإسلامية للحكم بشرع الله ومنهجه.

إن المملكة قامت على منهج النبوة عندما اتفق الشيخ محمد بن عبدالوهاب والمؤسس الأول للدولة السعودية الإمام محمد بن سعود على الحكم بشرع الله ومنهجه، فتأسست الدولة وفق منهاج النبوة، وعملت الدولة بهذا المنهج منذ ذلك التاريخ وما زالت، فالمحاكم الشرعية هي الفيصل في الأحكام، والدولة راعيةٌ ومنفذة. وصفاء العقيدة أساس ومنهج وتحرير للبشر من عبودية البشر، فلا تقديس ولا تبجيل للأولياء والصالحين. تحرس المملكة قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتُعظمه، وما جعلته مزارا يُعبَد، وتخدم مقبرة البقيع، وفيها قبور آل البيت والصحابة، وما ألَّهتهم، وما جعلتهم مزارات تُرجى وتُسْأل، ويموت قادة الدولة فلا يُعظَّمون ولا يُقدَّسون وتغيب قبورهم مع بقية المواطنين، ولا يوجد في شوارع المملكة وفنادقها حانات خمور، ولا مراكز بغايا وفجور، إذا نادى المؤذن للصلاة تعطلت الحركة، وتوقف العمل، تُجبى الزكاة وتُحول للفقراء، ويقوم جهاز خاص للهيئات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا جاء الحج تحولت الدولة إلى مكة خدمةً للحجيج، تفخر المملكة بطباعة المصحف الشريف وتهديه لكل زائر وحاج، جعلت عمارة الحرمين فخرها وأولوية اهتماماتها، تطبق حدود الله في الجناة. إن هذا المنهج الشرعي هو منهج الدولة الإسلامية في عهد النبوة والراشدين، إنه نموذج قائم في هذا العصر يُطَبَق في السعودية.

تقول المادة السابعة في النظام الأساسي للحكم: «يستمد الحكم في المملكة سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة».

إن منهج المملكة الشرعي الوسطي ينداح في أرض الله، ولهذا فالهجمة شرسة على بلادنا، كادَ الأعداء ومكروا وشَّنوا في السنوات الأخيرة حملةً إعلاميةً كبرى ظاهرة وخفية، وجاؤوا بالقاعدة وداعش ووَسَموا مناهجنا وفكرنا بالغلو والتشدد، وكل يوم تزداد ضراوتهم وعداوتهم، والتقت الأحقاد والأطماع الصهيونية والصليبية والصفوية وخدعوا بمكرهم أحداثاً أغراراً سُذجاً، ودفعوا بهم إلى ضرب الإسلام نفسه، وجعلوهم سهاماً يرمون بها المملكة الحامية للمقدسات القائمة وفق منهج النبوة، لكن الله حافظ دينه، حام مقدساته، وسيعلم الجهال أن مهاجمة المملكة ومنهجها الشرعي إثم وبغي، وسيندمون على غوايتهم وبغيهم نَوَّر الله البصائر، وحفظ الله للمملكة أمنها وأمانها، وثَبَّت الله ولاتها على المنهج الشرعي الحق.

أما اتخاذ «الخلافة» مطية للخروج على منهج الله، وسفك الدم الحرام، وإهلاك الحرث والنسل، فهذا أبعد ما يكون عن مراد الله، ونهج رسوله وصحابته الكرام.