شؤون خليجية-
محمد بن سلمان، أصغر وزير دفاع في العالم، والرجل الثالث في هرم السلطة بالمملكة العربية السعودية، والشاب "المندفع"، كما وصفه تقرير جهاز الاستخبارات الألمانية الخارجي، وقال التقرير إن سياسة الأمير الشاب تتجه نحو "الاندفاع والتدخل في شؤون دول آخري"، عكس ""الدبلوماسية الحذرة التي دأب عليها القادة السابقون في العائلة المالكة"، وتقول التقارير إنه من يملك صناعة القرار السعودي الآن، بحكم قربه الشديد من والده الملك سلمان، وأن له مكانة خاصة عند والدته- الزوجة الثالثة للعاهل السعودي وأكبر أبنائها منه- وأنها "تعلق عليه كل الآمال وتسعى بكل ما لها من نفوذ للدفع به إلى أعلى مراكز السلطة"، كما جاء في تقرير الـ BBC.
هناك من يصفه بـ"التهور"، ومن يطلق عليه لقب "الجنرال الشاب"، وأطلق عليه الأمير سعود بن سيف النصر- أحد أبناء الأسرة المالكة- لقب "الجنرال الصغير"، رغم أنه لم يدرس في كلية عسكرية، أو يلتحق بالجيش السعودي محترفًا، شأن الكثير من الأمراء، ولكنه يملك القوة في الديوان الملكي، والسطوة على وزارة الدفاع، وإنه استطاع أن يزيح الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز نائب وزير الدفاع، من منصبه بعد 45 يومًا فقط من تعيينه في موقعه، وأيضًا من رئاسة الاستخبارات العامة بعد تولي الملك سلمان السلطة.
كنف الأب.. وطموح الأم
"محمد بن سلمان" من مواليد (15 ذو الحجة 1405 للهجرة / 31 أغسطس 1985، الرياض)، وهو الابن السادس للملك سلمان بن عبدا لعزيز آل سعود. ووالدته سمو الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان آل حثلين العجمي، حاصل على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود، وتلقى تعليمه العام في مدارس الرياض "يطلق عليها مدارس الأمراء"، متزوج من "الأميرة سارة"، بنت الأمير مشهور بن عبد العزيز، وأنجب منها "سلمان"، و"مشهور" و"فهدة" و"نورة".
في 29 أبريل 2015، صدر أمر ملكي يتضمن مبايعته ولياً لولي العهد، وتعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وزيراً للدفاع، ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وكان صدر أمر ملكي في 23 يناير 2015، يقضي بتعيين الأمير محمد بن سلمان وزيراً للدفاع خلفاً لوالده الذي بويع ملكاً للبلاد، وبدأ نجمه السياسي والعسكري في الصعود.
و"بن سلمان" بدأ عمله مستشارًا متفرغًا بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء في 10 أبريل 2007، وانتقل بعدها من هيئة الخبراء بالمرتبة الحادية عشرة، ليكون مستشاراً خاصاً لوالده عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض في 16 ديسمبر 2009م، واستمر مستشاراً غير متفرغ في هيئة الخبراء حتى 3 مارس 2013م، ثم عُين أميناً عاماً لمركز الرياض للتنافسية ومستشاراً خاصاً لرئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدا لعزيز، كما عمل محمد بن سلمان عضواً في اللجنة التنفيذية العليا لتطوير الدرعية.
من إمارة منطقة الرياض إلى الشؤون الخاصة في البلاط
انتقل "محمد بن سلمان"، من إمارة منطقة الرياض وهو في المرتبة الثالثة عشرة، وعين مستشاراً خاصاً ومشرفاً على المكتب والشؤون الخاصة لولي العهد، وذلك بعد تولي الملك سلمان ولاية العهد، وفي 3 مارس 2013م، صدر أمر ملكي بتعيينه رئيساً لديوان ولي العهد ومستشاراً خاصاً له بمرتبة وزير، وفي 13 يوليو 2013، عُين مشرفاً عاماً على مكتب سمو وزير الدفاع بالإضافة إلى عمله، وفي 25 أبريل 2014م، صدر أمر ملكي بتعيينه وزيراً للدولة عضواً بمجلس الوزراء، بالإضافة إلى عمله، وفي 23 يناير 2015م، عين وزيراً للدفاع، ورئيساً للديوان الملكي ومستشاراً خاصاً للملك بمرتبة وزير، كما عين رئيسًا لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفي 29 أبريل الماضي اختير ولياً لولي العهد، وعين نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية.
العمل الخيري
"ابن سلمان" له دور في العمل الخيري، فأسس مؤسسة خيرية تحمل اسمه، وهي "مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية (مسك الخيرية)"، ويترأس مجلس إدارتها، وتهدف إلى دعم تطوير المشاريع الناشئة والتشجيع على الإبداع في المجتمع السعودي، من خلال تمكين الشباب السعودي وتطويرهم، وتعزيز تقدمهم في ميادين العمل والثقافة والأدب والقطاعات الاجتماعية والتقنية، وترأس مجلس إدارة مركز الملك سلمان للشباب، والذي أُسس بمبادرة من الملك سلمان من أجل تعزيز جهود المملكة في دعم الشباب وتحقيق طموحاتهم، لما لذلك من أثر لتقدم المملكة، وشغل منصب نائب الرئيس لجمعية الملك سلمان للإسكان الخيري ورئيس اللجنة التنفيذية للجمعية، والتي تشكلت من مجموعة من الأكاديميين، وخبراء علم الاجتماع وأعيان المجتمع، لتغطية احتياجات أصحاب الدخل المحدود، إضافة لعضوية مجلس إدارة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض، والمجلس التنسيقي الأعلى للجمعيات الخيرية بمنطقة الرياض، ورئيسًا لمجلس إدارة مدارس الرياض (مدارس غير ربحية)، إضافة لعضوية مؤسسات خيرية وإنسانية وتطوعية أخرى.
وتقلد "بن سلمان" عدة مناصب خلال مشواره المهني الذي امتد إلى عشر سنوات، وابتدأه بممارسة العمل الحر وله العديد من المبادرات والنشاطات الخيرية حصل من خلالها على العديد من الجوائز. قبل البدء في ممارسة مهامه في الخدمة العامة في المملكة العربية السعودية، وبعد تخرجه في الجامعة أسس محمد بن سلمان عدداً من الشركات التجارية.
أبناء الملوك وصناعة قرارات القصر
لم يكن الظهور المفاجئ لمحمد بن سلمان أمرًا غير عادي لأبناء الملوك السعودية، فقد سبقه الأمير عبد العزيز بن فهد أصغر أبناء الملك فهد، والذي كان وزيرًا للدولة، وله دور كبير في صناعة القرار، وفي عهد الملك عبدالله برز دور ابنه "متعب" وتعاظم مع مرض والده، وصار وزيرًا لأول وزارة للحرس الوطني، وحاول تسويق نفسه كوريث للملك بعد القرار المفاجئ بتعيين عمه الأمير مقرن بن عبد العزيز، أصغر أبناء الملك عبد العزيز سنًا وليًا لولي العهد، وهو منصب مستحدث في تاريخ السعودية، وكان السيناريو أن يتم تخطي الملك سلمان- ولي العهد في ذلك الوقت، ويستقيل مقرن من منصبه ويصعد متعب ملكًا، وهو ما أطلق عليه "خطة التويجري"، نسبة الى خالد التويجري رئيس الديوان الملكي في عهد الملك عبد الله.
الاندفاع نحو الحرب
في 26 مارس 2015، فاجأت السعودية العالم بإعلان عاصفة الحزم، وقيادة تحالف عربي مكون من 11 دولة للحرب على الحوثيين في اليمن، وأعدت 100 طائرة مقاتلة و150 ألف جندي للقضاء على المراكز الرئيسية للحوثيين في اليمن، وتصدر "محمد بن سلمان" مشهد قيادة العمليات العسكرية، استطاعت القوات الجوية السعودية خلال فترة قصيرة السيطرة على الأجواء اليمنية وإقامة حظر جوي، وتدمير عدد من طائرات الحوثيين، بالإضافة إلى مستودعات الذخائر والأسلحة ومراكز الاتصال وقاعدة الديلمي الجوية، وأشرف الأمير محمد على هذه الحرب من غرف التحكم.
الإعلان المفاجئ
وقبل ثلاثة أيام جاء إعلان "محمد بم سلمان" المفاجئ، بالإعلان عن تشكيل تحالف عسكري إسلامي "لمحاربة الإرهاب"، يضم 35 دولة بقيادة السعودية، وتأييد 10 دول أخريات لمواجهة الإرهاب؛ لتدشن المملكة كياناً عسكريًا إسلاميًا جديدًا لمواجهة الإرهاب.
فقد أحدث "بن سلمان" مفاجأة في البلاد وخارجها، ليس لحداثة سنه فحسب، بل لشخصيته ومواقفه وطموحاته أيضًا، وهو الذي درس الحقوق والعلوم السياسية في جامعة الملك سعود بالرياض، وتذكر التقارير الرسمية أنه كان من العشرة الأوائل المتفوقين على مستوى المملكة، والثاني في دفعته، وهو الأخ غير الشقيق للأمير سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء عربي، شارك في رحلة ديسكفري 51 الأمريكية عام 1985.
انقلاب في القصر
ويشير المراقبون لشؤون العائلة المالكة في السعودية، إلى أن الرجل الذي يقف بين الملك سلمان وابنه الشاب في الحكم هو ولي العهد الأمير، محمد بن نايف، ليس له أولاد ذكور، وهذا ما يفتح طريق العرش واسعًا للأمير محمد بن سلمان، ويتحدث "بن سلمان" عن رؤيته لمستقبل السعودية، منذ أعوام، كما لو أن حكمها سيؤول إليه فعلًا، وهذا يفسر ما أشيع عن غضب بين أفراد العائلة الحاكمة، وهناك من تحدث عن انقلاب في القصر، كما قال الإعلامي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ديفيد هيرست.
المحيطون بـ"بن سلمان" يقولون إنه ينزع إلى التغيير وإلى التحرك بدلًا من الكلام، والانتظار، وإنه يفضل العمل بوتيرة أسرع من غيره، لذلك يفاجئ المراقبين في السعودية وخارجها، ويقولون أيضًا إنه يناسب "بعض" السعوديين، الذين يشكل الشباب فيهم نسبة 70 في المائة، ويطمحون إلى التغيير، ويعبرون عن ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، وهناك من يربط بين "بن سلمان" بمحمد وعبد الله بن زايد، وإقامة تحالفات معهما، على حساب علاقة "بن نايف" الوطيدة مع الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، وأن أبناء زايد يلعبون على وتر قرب "بن سلمان" من والده ومطبخ صناعة القرار السعودي، واستئثاره بالملفات الحساسة والمهمة، والتفرد باتخاذ القرار فيها، وتجاوز "بن نايف" الذي لم يعد في يده سوى ملف الأمن؟
خوف وقلق دوائر استخباراتية عالمية
في المقابل أثارت شخصية "محمد بن سلمان" واندفاعه خوف وقلق دوائر استخباراتية عالمية، وكان آخرها تقرير للمخابرات الألمانية، الذي وصف الأمير الشاب، بأنه "مندفع"، وحذر التقرير من "جنوح السياسة السعودية إلى الاندفاع"، تحت تأثيره، ويشير التقرير إلى أن الأمير محمد بن سلمان هو الذي قرر شن الغارات الجوية على الحوثيين في اليمن، دعمًا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، وأدخل السعودية في حرب واسعة في المنطقة.
تقرير المخابرات الخارجية الألمانية، الذي انتقدته- رسميًا حكومة ميركل، حذر من جنوح السياسة الخارجية السعودية إلى الاندفاع، وقال إن محمد بن سلمان، يسعى إلى "فرض نفسه في هرم السلطة"، وقال التقرير السنوي لجهاز المخابرات الألمانية إن السعودية، التي تعد أكبر مصدر للنفط في العالم، "بدأت تفقد ثقتها في الولايات المتحدة، باعتبارها ضامنة للاستقرار في الشرق الأوسط، وهو ما جعلها تبدو مستعدة للمخاطرة في تنافسها مع إيران في المنطقة"، وغن الأمير محمد بن سلمان، يتولى منصب نائب ولي العهد، منصب وزير الدفاع، ورئيس اللجنة العليا للاقتصاد، ويجمع الأمير الشاب العديد من السلطات منذ أن تولى والده الحكم، ووضعه نائبًا لولي العهد، وقدمه على العشرات من أبناء عمومته.
سياسة الاندفاع والتدخل
وأضاف التقرير أنه منذ تولي الملك سلمان الحكم في السعودية، أنشأت الرياض تحالفًا عسكريًا للتدخل في اليمن للحد من نفوذ إيران، وزادت دعمها للمعارضة السورية المسلحة، وأدخلت الكثير من التغييرات في نظام توريث الحكم، وترى السعودية إيران أنها "دولة عدائية توسعية. وتتهم الحركات الموالية لها مثل حزب الله في لبنان والميليشيا الشيعية في العراق، بتأجيج التوتر الطائفي والاضطرابات في المنطقة. ولكن الرياض في عهد سلمان أصبحت أكثر اندفاعًا في مواجهة خصومها في المنطقة، حسب التقرير.
وأشارت المخابرات الألمانية إلى سعي الدولتين الغريمتين إلى توجيه الأحداث في لبنان والبحرين والعراق، منبهة إلى "استعداد الرياض المتزايد للتحرك عسكريًا وسياسيًا لضمان عدم فقدانها النفوذ في المنطقة"، وجاء في التقرير أن "الدبلوماسية الحذرة التي دأب عليها القادة السابقون في العائلة المالكة بدأت تترك مكانها لسياسة الاندفاع والتدخل"، وذكر أن السعودية لا تزال متمسكة بضرورة رحيل الرئيس السوري، بشار الأسد، وأضاف التقرير أن الأمير قد يثير غضب أفراد العائلة الحاكمة الآخرين، والشعب السعودي بالإصلاحات التي يقوم بها، ويفسد علاقات بلاده مع الدول الصديقة والحليفة في المنطقة، وتواجه السعودية عجزًا في الميزانية، يقدره الاقتصاديون بمبلغ 120 مليار دولار أو أكثر، هذا العام.