تواصل » صحف ومجلات

التحالف الإسلامي ضد الإرهاب: مولود جديد ينتظر الآلية التنفيذية

في 2015/12/19

بدر الراشد- العربي الجديد- الخليج الجديد-

يأتي إعلان السعودية، أول أمس الثلاثاء، عن تحالف إسلامي لـ"مكافحة الإرهاب" يضم 34 دولة إسلامية، ويحظى بدعم 10 دول أخرى، في لحظة حرجة بالنسبة للمملكة والعالم الإسلامي، في ظلّ مواجهة تفكُّك دول، وظهور جماعات متشدّدة مسلحة، من أفغانستان وباكستان، حتى مالي ونيجريا وليبيا، وصولاً إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، "عمود الإرهاب الفقري" في العراق وسورية.

هذا الخطر الذي تمدّد وهاجم الساحة الأوروبية، وأدّى إلى ربط الإسلام بالإرهاب، وتُرجم إلى اتهامات للسعودية بالمسؤولية عن الأصولية الدينية، لم يمرّ من دون أثر سياسي وأمني عميق.

تجد السعودية نفسها مدفوعة باتجاه تشكيل وقيادة هذا التحالف لأسباب عدة؛ تعيش المملكة معضلة كبرى داخلية ودولية في سياق الحديث عن الإرهاب. فهي من ناحية تُهَاجم من إرهابيين، منذ منتصف التسعينيات على الأقل. وارتكب تنظيم "داعش" عمليات انتحارية على أراضيها بين عامَي 2014 و2015، وشكّل خلايا إرهابية متعددة، ومخازن أسلحة، فوجدت السعودية نفسها ضحية مباشرة للإرهاب، كبقية دول العالم.

على الرغم من ذلك، تُتهم السعودية بأنّها مسؤولة عن تشكّل الإرهاب على نطاق واسع، من قبل وزير الاقتصاد والطاقة الألماني، نائب المستشارة أنغيلا ميركيل، زيغمار غابرييل، الذي دعا الرياض، أخيراً، إلى "وقف تمويل المساجد الوهابية في ألمانيا، لأنّها تعزّز الأصولية الراديكالية الإسلامية"، مروراً بتصريحات زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، مارين لوبان، التي اتهمت السعودية وقطر بالمسؤولية عن اعتداءات باريس، باعتبارهما "تموّلان الأصولية الإسلامية" على حد زعمها.

في الضفة الأخرى من العالم الجديد، اتهم الكاتب الأميركي، توماس فريدمان السعودية، في وقت سابق، بأنّها "قضت على التعددية داخل الإسلام". واعتبر أنّ خطر المملكة على "الشرق الأوسط" يفوق خطر إيران. هذا بالإضافة إلى اتهامات دوائر متعددة داخل أروقة السياسية الأميركية للسعودية بالملف ذاته، خصوصاً في سياق الحديث عن احتلال العراق وأفغانستان، إذ يرى سياسيون أميركيون راديكاليون، أنّ "الأَوْلى مهاجمة السعودية".

هنا، تجد الرياض نفسها في وجه عاصفة الإرهاب مرّتين؛ ضحية للإرهاب، ومتهمة بالمسؤولية عنه، على الرغم من أنّها كانت من أكثر الدول التي خاضت حرباً ضارية ضد إرهابيين على أراضيها، كما شاركت في التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة لمواجهة "داعش" في العراق سبتمبر/أيلول 2014.

كما أنّ السعودية لديها مشاكل مع تعريف الإرهاب نفسه، ولطالما تذمرت من اعتبار الإرهاب حكراً على المنظّمات "السنية" التي تستعمل العنف أداة تغيير سياسي، في ظلّ تجاهل "إرهاب المليشيات الشيعية" المدعومة من إيران، وتقاتل على امتداد التراب العراقي والسوري. لائحة تتضمن ميلشيات الحوثي في اليمن، وحزب الله في لبنان بحسب المفهوم السعودي. لذا تؤكد السعودية على وجود خلل في أي تعريف للإرهاب لا يشمل "أدوات إيران في المنطقة".

هذا على مستوى الدوافع السعودية الخاصة لمواجهة الإرهاب، لكن الأمر أوسع من ذلك. فالمملكة، لاعتبارات عدّة، تعدّ أهم ممثل للعالم الإسلامي. فهي تحتضن الحرمَين الشريفَين، ويتم التعامل معها على نطاق واسع كدولة إسلامية قيادية، خصوصاً في ضوء استقرارها السياسي بعد ثورات 2011 العربية. كل هذا، يلقي على السعودية حملاً مضاعفاً لفض الاشتباك بين الإرهاب والإسلام، خصوصاً في الدوائر الغربية.

وهنا تأتي دلالات حديث رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، أمس الثلاثاء، في سياق دعم تركيا للتحالف الإسلامي ضد الإرهاب، قائلاً، "اتخاذ البلدان الإسلامية موقفاً موحّداً ضد الإرهاب، يُعدّ أقوى جواب يُوجّه للساعين نحو ربط الإرهاب بالإسلام". وهنا تأتي أيضاً أهمية دعوة الملك السعودي الراحل، عبدالله بن عبد العزيز، لإنشاء "المركز الدولي لمكافحة الإرهاب" ودعمه له، لمحاولة مواجهة ربط الإسلام بالعنف.

بالتوازي مع هذا الوضع، تكثُر الدعوات الأميركية لدول المنطقة، وفي مقدمتها السعودية، بتحمُّل مسؤولياتها في مواجهة الإرهاب. وردّد الرئيس الأميركي، باراك أوباما هذه الدعوة مراراً، بأنّ أميركا لن تحارب الإرهاب نيابة عن دول المنطقة، وأنّ على هذه الدول أخذ زمام المبادرة، وستحظى بدعم أميركي. ووجّه الرئيس الأميركي تصريحه هذا، بشكل مباشر لقادة السعودية والخليج، في اجتماع كامب ديفيد في مايو/أيار 2015. وتعهّد أوباما بحماية أميركية للخليج حيال أي هجوم إيراني، لكنه صرّح بأنّ الولايات المتحدة لن تحارب "أدوات إيران" في المنطقة نيابة عنهم. بهذا الشكل، رمى الكرة في ملعب الخليجيين، لمواجهة الميلشيات الطائفية في الدول المحيطة لها.

يقرأ مراقبون هذه الرؤية الأوسع للإرهاب، باعتباره عابراً للطوائف، ليس فقط من خلال إجابة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، على أحد الأسئلة خلال المؤتمر الصحافي، الذي عقده، أمس الثلاثاء لإعلان التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، مؤكّداً على أن التحالف سيواجه كل المنظمات الإرهابية سنيّة كانت أو شيعيّة، بل من خلال خريطة التحالف والدول الغائبة عنه.

وغابت عن التحالف كل من إيران، وسورية، والعراق، ولهذا دلالات لا تخفى، وانعكاسات على وجهة التحالف. فالسعودية تعتبر بعض الدول مسؤولة عن الإرهاب بشكل مباشر، ذلك الذي لا تنطبق عليه المعايير الأميركية، وهو إرهاب الميلشيات الطائفية المدعومة من إيران. ويضاف إلى هذه النقطة، التلميحات الإيرانية لقيام تحالف رباعي (روسيا، إيران، العراق، وسورية). هذا التحالف الأخير، قائم بحكم الأمر الواقع، وإنْ لم يُعلن عنه رسمياً، بحسب هؤلاء المراقبين. وترددت أحاديث سابقة عن وجود غرفة تنسيق وتحكم للتحالف الرباعي في بغداد، بعيداً عن حكومة حيدر العبادي، وقريباً من سلفه نوري المالكي وميلشيات "الحشد الشعبي".

في السياق ذاته، شنّت وسائل الإعلام الإيرانية والعراقية هجوماً على التحالف الإسلامي، عقب إعلانه، ليُضاف سبب آخر لاعتبار التحالف السعودي الجديد ضد الإرهاب، لن يستهدف "داعش" فحسب. ويأتي شجب وسائل الإعلام الإيرانية، في الوقت الذي تشنّ فيه هجوماً على نيجيريا، باعتبارها تمارس عمليات عسكرية ضد مليشيات قريبة من إيران، متهمة الحكومة النيجيرية بالإرهاب أيضاً، وهي إحدى الدول المشاركة في التحالف الإسلامي الجديد.

على المستوى العملي، يبدو أنّ غموضاً يلفّ آليات عمل التحالف الإسلامي الجديد. فالرياض هي عاصمة التحالف، ولكن مناطق عملياته تبدو غامضة بعض الشيء. ولي ولي العهد السعودي أعلن في المؤتمر الصحافي، أنّ التحالف سيواجه الإرهاب امتداداً من العراق، وسورية حتى ليبيا، ومالي، ونيجيريا. لكنّه أشار في الوقت عينه، أنّ التحالف لن يقوم بالحشد العسكري، كما أنه سيعمل وفق "الشرعية والقانون الدولي". وهنا يتساءل معنيّون عمّا إذا كانت هذه الخطة ستعرقل مواجهة أخطر تنظيم إرهابي في العالم، أي "داعش".

وبحسب هؤلاء المعنيّين، فإنّ التنظيم يتمركز بين العراق وسورية ويتمدد في ليبيا، ويحاول أن يجد له موطئ قدم في سيناء المصرية، واليمن. وبينما يضم التحالف مصر وليبيا واليمن، وبالتالي يمكن للتحالف تنسيق جهوده لمواجهة "داعش" هناك، تغيب عن التحالف الحكومة العراقية والسورية، ولا يُتوقع أن تسمح هاتان الدولتان للسعودية ودول التحالف الإسلامي بشنّ هجمات على أراضيها، حتى لمواجهة "داعش"، على الرغم من أنّ بعض هذه الدول تقوم بعمليات على الأراضي العراقية، ضمن التحالف الأميركي.

الرفض ليس من الجانب العراقي والسوري حصراً، فالسعودية ليست في صدد التعاون مع النظامَين العراقي والسوري، في ظلّ اعتبار الأوّل نظاماً طائفياً داعماً لإيران، والآخر فاقداً للشرعية. وتصرّ الرياض على رحيل رأس النظام السوري، بشار الأسد، سياسياً أو عسكرياً. أمام هذا الواقع من التشنجات بين البلدان الثلاثة، واتهام بعضها بعضا بدعم الإرهاب، يعتبر مراقبون، أنّ جميع سبل التفاهم مقطوعة، لتنسيق الجهود ضد "داعش".

كما أنّ هناك إشكالاً آخر يتعلق بتعريف الإرهاب داخل دول التحالف نفسه. فبينما هناك إجماع على اعتبار تنظيمَي "داعش" و"القاعدة"، والتنظيمات المرتبطة به، مثل "جبهة النصرة"، إرهابية، يبدو أنّ هناك جماعات إسلامية أخرى، يثير تصنيفها على أنها جماعات إرهابية، إشكالات داخل التحالف ذاته، وفي مقدمتها، جماعة "الإخوان المسلمين"، والجماعات السلفية المقاتلة للنظام السوري، مثل فصائل "أحرار الشام"، التي تحظى بدعم دول أساسية في التحالف الإسلامي، بينما تصنّفها دول أخرى في الكيان نفسه على أنّها جماعات إرهابية.

وتؤكد السعودية، أنّ التحالف الإسلامي سيكون مختلفاً عن التحالف العربي في اليمن، الذي اتخذ طابعاً عسكرياً. ويشير الأمير محمد بن سلمان، إلى أنّ التحالف ليس بصدد القيام بحشد عسكري، وإنما هو تحالف تنسيق جهود ودعم لمواجهة المجموعات الإرهابية، ويشمل هذا التنسيق الجوانب الإعلامية والفكرية، ولن يقتصر على الجانب الأمني".

ويؤكد وزير الدفاع السعودي، أنّ الدول الإسلامية "تقوم بمحاربة الإرهاب بشكل منفرد، بينما تعمل المنظمات الإرهابية تحت كيان واحد"، لذا يأتي التحالف لإعادة صياغة طرق مواجهة الإرهاب في المنطقة.