بدر الراشد- العربي الجديد- الخليج الجديد-
تشهد دولة الكويت أزمة سياسية منذ سنوات، خصوصاً مع حل مجلس الأمة لمرات متكررة خلال فترة قصيرة نسبياً، وتغيير القوانين الانتخابية، ما أدى إلى تأزم العلاقة بين الحكومة والمعارضة، والتي تُعرف أيضاً بـ"كتلة الأغلبية"، التي قاطعت انتخابات مجلس الأمة لاحقاً، وبدأت بالمعارضة خارج البرلمان.
وإثر التظاهرات التي نظمتها المعارضة في 2014 وحملت لافتة "كرامة وطن"، تعهّدت الحكومة الكويتية آنذاك بأنها ستنتهج "سياسة القبضة الحديدية والتصدي بحزم وصرامة لأي شيء يمكن أن يقوّض أركان الدولة ومؤسساتها ودستورها". هذه الإجراءات اعتبرتها منظمة العفو الدولية، في تقرير للمنظمة صدر في 16 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، ترسم صورة قاتمة عن الحقوق السياسية وحقوق الإنسان بشكل عام في دولة الكويت.
وعلى الرغم من إقرار المنظمة في تقريرها بعنوان "سياسة القبضة الحديدية: تجريم المعارضة السلمية في الكويت"، أن الكويت كانت تتمتع بهامش حرية سياسية أوسع من نظيراتها في المنطقة، إلا أنها تشير إلى أن الأوضاع بدأت بالتردي بعد 2011.
ورأى التقرير أن الكويت تعاملت مع المعارضة "بحساسية متزايدة وعدم تسامح مع النقد"، مؤكداً أن الحكومة استخدمت "القوانين القائمة إلى جانب اعتماد قوانين جديدة لاستهداف منتقديها، ومن بينهم أنصار حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين".
تاريخ الأزمة الداخلية
تعود جذور الأزمة الحالية بين "الكتلة" البرلمانية أو المعارضة والحكومة الكويتية، إلى تداعيات حلّ مجلس الأمة الكويتي الذي أفرزته انتخابات 2009، عندما أصرّ المجلس آنذاك على استجواب رئيس الوزراء الكويتي، الشيخ ناصر المحمد، والذي اعتبر أول استجواب بحق رئيس الوزراء في تاريخ الكويت. كما قدّم أعضاء المجلس استجوابات أخرى لوزراء في وزارات سيادية، كوزير الداخلية، الشيخ جابر خالد الصباح، ووزير الدفاع، الشيخ جابر مبارك الصباح.
ويعتبر منتقدو هذا المجلس، أنّه "مجلس تأزيم" ساهم في تعطيل عمل الحكومة، بينما يرى مؤيدوه أنّ الحكومة هي التي تتحمّل مسؤولية التأزيم، لأنها لم تحارب الفساد كما يجب، ولم تتجاوب مع أعضاء البرلمان بشكل مناسب، فهي من أراد تعطيل دور المجلس الرقابي.
كنتيجة للاستجوابات المتكرّرة للحكومة، تزامناً مع الدعوات المطالبة باستقالة رئيس الوزراء، ناصر المحمد، والتي وصلت ذروتها بالاحتجاجات الشعبية أمام مجلس الأمة وانتهت باقتحام مبناه في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، قدّم رئيس الوزراء، ناصر المحمد، استقالته، ووافق عليها أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، الذي كلّف لاحقاً الشيخ جابر مبارك الصباح برئاسة الوزراء، ثم قام بعد يومين، في 6 ديسمبر/ كانون الأول، بحلّ مجلس 2009، وفقاً لدستور الدولة.
وتنصّ المادة 102 من الدستور الكويتي على أنه "إذا رأى مجلس الأمة عدم إمكانية التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رُفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة، أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعيّن وزارة جديدة، أو أن يحلّ مجلس الأمة".
وتمّ حلّ مجلس 2009 قبل انتهاء فترته الدستورية، بناءً على طلب الحكومة، ودعا أمير البلاد لانتخابات مبكرة. أفرزت هذه الانتخابات مجلس 2012، الذي اختار أحمد السعدون رئيسه. تشكّلت في هذا المجلس، ما تُعرف اليوم، بـ"كتلة الأغلبية"، المؤلفة من 35 عضواً من أصل 50 في البرلمان.
بعد أشهر من انعقاد هذا المجلس، في 20 يونيو/ حزيران 2012، حكمت المحكمة الدستورية ببطلان حلّ مجلس 2009، لأنّ الحل غير دستوري، إذ رُفع الطلب للأمير من حكومة اعتُبرت مستقيلة. وأدّى الحكم ببطلان حلّ مجلس 2009، إلى حلّ مجلس 2012 الذي انتخب بناءً على قرار الحلّ غير الدستوري. واعترضت "كتلة الأغلبية" على حلّ مجلس 2012، ورأت فيه إقحاماً للقضاء في الأزمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.
وجاء في بيان "الكتلة" إثر حلّ المجلس، أنّ "إرهاق وإنهاك الشعب الكويتي بتكرار حلّ مجلس الأمة، خلال السنوات الخمس الماضية، لا يمكن بأي حال أن يمت للدستور بصلة، ولعلّ أخطرها إقحام السلطة القضائية في هذا الصراع بين السلطة من جهة والشعب ودستوره من جهة أخرى".
وأضاف بيان "الأغلبية"، أنّ "حلّ مجلس 2012 المعبِّر عن إرادة الأمة الحقيقية بسبب خطأ إجرائي ترتكبه الحكومة، هو بدعة مستوردة، من الخطورة القبول بها". وطالبت "كتلة الأغلبية" آنذاك، بإصلاحات دستورية، تتضمن الوصول إلى نظام برلماني كامل، وبإصلاحات سياسية وقضائية تتضمن محاسبة من اعتبرتهم "متطاولين على المال العام".
بعد حلّ مجلس 2012، طفت أزمة أخرى، وهي "مرسوم الصوت الواحد"، إذ أُعيد تشكيل الدوائر الانتخابية ونظام الأصوات، لتقسم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية بصوت واحد. ورأى أعضاء "كتلة الأغلبية" المنحلّة بقرار عام 2012، أنّ "تقسيم الدوائر بهذا الشكل، يؤدي إلى وصول أعضاء غير أكفاء إلى عضوية مجلس الأمة، بسبب سهولة التلاعب بالأصوات وربما شرائها، باعتبار أنّ الفائز في بعض الدوائر بحاجة إلى عدد محدود من الأصوات".
ولم يخلُ الصراع على تقسيم الدوائر الانتخابية من خلفية تاريخية احتجاجية بين الحكومة والمعارضة، إذ كانت الكويت مقسّمة إلى 25 دائرة بصوتيْن. في عام 2006، وبعد حملة "نبيها خمسة" الاحتجاجية، والتي تسمى، أيضاً، "الحملة البرتقالية" لاتخاذها هذا اللون شعاراً لها، تمّ تقسيم الكويت إلى 5 دوائر انتخابية بـ4 أصوات، ليأتي مرسوم الصوت الواحد عام 2012 ويوصل الأزمة بين الحكومة والمعارضة إلى ذروتها، ما أدّى إلى مقاطعة "كتلة الأغلبية" للانتخابات البرلمانية.
تلا ذلك تعقيد آخر؛ فبعد انعقاد الانتخابات البرلمانية عام 2012، وترؤّس علي الراشد المجلس، تم إبطاله لاحقاً، باعتبار أن الهيئة العليا للانتخابات، التي أشرفت على انتخابه، شُكّلت بناءً على مرسوم ضرورة، حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته، ليتم إبطال هذا المجلس، والدعوة لانتخابات أخرى، قاطعتها "الأغلبية" مرة أخرى، وأفرزت مجلس الأمة الكويتي الحالي، مجلس 2013، الذي يترأسه مرزوق الغانم.
انعكست كل هذه الأزمات على الوضع السياسي في الكويت بشكل عام، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والتنموية في البلاد، التي جاءت نتيجة ضعف الحكومة سابقاً، وعدم حصولها على إجماع في الشارع الكويتي اليوم. وأدّى الحلّ المتكرر لمجلس الأمة، والأزمة حول مرسوم الصوت الواحد، إلى خروج المعارضة من البرلمان، بسبب مقاطعة أعضاء "الكتلة" لانتخابات 2012 و2013، ما جعلها تنشط للتعبير عن آرائها ومواقفها السياسية عبر الإعلام، ومن خلال عقد الندوات الشعبية.
خلية العبدلي
وتعتبر "خلية العبدلي" من أبرز القضايا التي فجّرت التناقضات بين "كتلة الأغلبية" من جهة، والحكومة وأعضاء البرلمان الحالي من جهة أخرى في الفترة الأخيرة، إذ اعتبر أعضاء "الكتلة"، أنّ هناك تقاعساً من الحكومة ومجلس الأمة في مواجهة النفوذ الإيراني في الكويت.
وأصدرت مجموعة من النواب السابقين من "الكتلة"، بياناً ردّت فيه على تصريحات اعتبرتها مستفزة لرئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني. وأشارت المجموعة إلى أنّ ما دفعها إلى إصدار بيان، هو عدم رد مجلس الأمة الحالي على تصريحات لاريجاني. ووجّه نواب "الكتلة" اتهامات إلى بعض نواب مجلس الأمة الحالي، باعتبارهم متواطئين مع "خلية العبدلي".
دفعت هذه التجاذبات رئيس مجلس الأمة الحالي، مرزوق الغانم، إلى نفي الاتهامات، والتلميح، في سياق بيانه حول "خلية العبدلي"، إلى وجود أطراف تريد أن تستخدم الحادثة لأغراض أخرى، محذراً ممّن أطلق عليهم لقب "مثيري الفتنة".
وكانت مصادر إعلامية مختلفة (غير رسمية) اتهمت النائب الحالي في مجلس الأمة، عبد الحميد دشتي، بأنّه على علاقة بـ"خلية العبدلي"، نظراً لعلاقته المعلنة بحزب الله، وتأييده الصريح لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد، ودفاعه عن إيران، الأمر الذي يصطدم مع كل الخطوط السياسية لـ"كتلة الأغلبية".
ودافع دشتي بشكل صريح عن أعضاء "خلية العبدلي"، إذ ذكر، في تصريحه، أنّه لا يوجد بحوزتهم "صواعق تفجير" أو "بنك أهداف". كما نفى وجود أدلة على ارتباطاتهم بدول أو أحزاب خارج الكويت، مؤكداً أنّ الخلية خزّنت الأسلحة "لأنّ الناس خائفون من داعش ويريدون حماية أنفسهم منه".
وكان دشتي قد أثار عاصفة من الجدل قبل سنوات إثر تأبينه أحد القادة العسكريين لحزب الله اللبناني، عماد مغنية، والمتهم بشكل مباشر بالوقوف وراء اختطاف طائرة "الجابرية"، وهي طائرة أمير الكويت الراحل، جابر الأحمد الصباح. ولا يزال الجدل مستمراً، اليوم، بعد دفاع دشتي المتكرر عن النظام السوري والتدخل الروسي.
ويرى مراقبون أنّ الصراع الحالي بين "كتلة الأغلبية" من جهة، والحكومة والبرلمان من جهة أخرى، لن يجد طريقاً إلى التهدئة في المدى المنظور، خصوصاً مع الجمود الذي تبدو عليه الحالة السياسية في الكويت، إثر "تحصين" مرسوم الصوت الواحد دستورياً، وتطور الأزمة الدستورية البرلمانية إلى انقسام حاد في وجهات النظر تجاه بنية مؤسسات الدولة وصلاحياتها الدستورية، لا سيما صلاحيات البرلمان وعلاقته مع الحكومة، ما انعكس على المواقف تجاه القضايا الإقليمية.