قاسم حسين- الوسط البحرينية-
من أهم ملامح التغيّرات السياسية الكبيرة، التقرير الذي أصدرته بريطانيا عن حركة الإخوان المسلمين، حيث اعتبرت الارتباط بالتنظيم «مؤشِّراً ممكناً على التطرّف»، وهي خطوةٌ ستتلوها حتماً خطوات، وسيترتب عليها تغييرُ سياسات.
لو عدنا بالذاكرة قبل خمس سنوات، لتذكّرنا كيف كان هناك مخططٌ كبيرٌ مرسومٌ للمنطقة، يقضي بتمكين الإخوان المسلمين من الحكم في منطقة الشرق الأوسط، بترتيب أميركي أوروبي تركي، تكون فيها تركيا واسطة العقد، بعدما تم الترويج لها كنموذجٍ زاهٍ خلال السنوات العشر السابقة للربيع العربي. ولو جرت الأمور كما كان مخططاً، لكان هناك «هلال إخواني» كبير، يمتد من سورية إلى مصر وليبيا وتونس، وينزل طرفاه جنوباً إلى اليمن والسودان، وتكون قاعدته عاصمة الخلافة العثمانية السابقة... اسطنبول.
هذا المخطّط اصطدم بتحديين كبيرين: الأول في سورية، والثاني في مصر. وكان الخطأ الأول الذي أدّى إلى عرقلة المشروع، عسكرة الثورة السورية بعد عامها الأول وإغراقها بالدم. أما الخطأ الأكبر فهو سلسلة الأخطاء القاتلة التي وقع فيها «إخوان مصر»، بدءاً بتعيين رجلٍ لا يصلح لإدارة جمعية خيرية، رئيساً لدولةٍ في حجم مصر.
اليوم، سورية تغرق في الوحل، ومصر عادت إلى حكم العسكر، وليبيا تحترق في حرب قبلية، وتونس تنحّى عن حكمها الإخوان مكرَهين، ومشروع تمكين الإخوان من حكم الشرق الأوسط تبخّر، وجهود ثمانين عاماً من العمل الخيري والدعوي ضاعت خلال عام واحد، بسبب تلك الأخطاء القاتلة التي ارتكبوها خلال سنة من الحكم في مصر.
الموقف البريطاني الأخير وجّه ضربةً جديدةً للحركة، فالدهاء الانجليزي لم يصنّف التنظيم كحركةٍ إرهابية، ولم يوصِ بحظرها، ولكنه وضعها فوق السندان، بحيث تكون جاهزةً لتلقي ضربات المطرقة القادمة في أي وقت، حسبما تقتضي التكتيكات وتغيّر السياسات. لقد انقضى شهر العسل، حيث تقاطعت مصالح التنظيم الدولي للإخوان، مع سياسات الدول الكبرى، وأُخضِع التنظيم للمراقبة، وتحوّلت أكبر الحركات الإسلامية في العالم إلى طريدةٍ، يطلب رأسها صيّادون كثر.
رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، قال تعليقاً على التقرير: «إن بعض أقسام حركة الإخوان المسلمين لها علاقة ملتبسة جداً بالتشدّد الذي يقود إلى العنف، وإنها صارت نقطة عبور لبعض الأفراد والجماعات المرتبطين بالإرهاب». ورغم أنه يمكن إثبات وجود علاقة سببية بين كل التنظيمات «الجهادية» و «التكفيرية» التي برزت في الساحة خلال الأربعين عاماً الماضية بفكر الإخوان، إلا أن الموقف البريطاني ينمّ عن نظرية سياسية خطيرة، تقوم على استباق التحقيقات، واختراق النوايا وإثارة الشكوك، ما يفتح المجال أمام التجاوزات الواسعة للقانون ولحقوق الإنسان وانتهاك الحريات. فكاميرون يصرّح علانيةً بأن حكومته «ستعمل على مراقبة نوعية لآراء وأنشطة أعضاء حركة الإخوان المسلمين فوق الأراضي البريطانية»... وهذه طبعاً هي البدايات.
لا يمكن طبعاً أخذ موقف بريطانيا بمعزلٍ عن علاقاتها الدولية، فهذه الدولة الأخطبوطية كانت تسيطر على أكثر من نصف العالم، وفي القلب منها الشرق الأوسط، حيث كانت تستعمر شبه القارة الهندية وإيران والعراق وسورية والأردن وجنوب اليمن والسودان ومصر، حتى خمسينيات القرن الماضي، وظلّت تمارس نفوذها في الخليج حتى انسحابها من شرق السويس مطلع السبعينيات. ورغم تنحّيها عن مقود السياسة الدولية وسيرها في ركاب السياسة الأميركية، إلا أنها ماتزال تمتلك نفوذاً في الكثير من مناطق ودول العالم. ولا يخرج الموقف الأخير من التنظيم الدولي للإخوان عن مسار هذه العلاقات، بحكم المصالح الكبيرة التي تربطها مع الأصدقاء.
إننا أمام مرحلة جديدة، تتميّز بالكثير من الغموض والاضطرابات، وتغيرات المواقف وفك وإعادة تركيب التحالفات. ومن علاماته الموقف البريطاني من الإخوان، حيث يوشك أن يتحوّل التنظيم فجأةً من حليف استراتيجي مرشح لقيادة الشرق الأوسط الأميركي الجديد، يحمل شريعة «الإسلام المعتدل» بالنكهة التركية، إلى تصنيفه قريباً ضمن «التنظيمات المتطرفة التي تدعم العنف والإرهاب».