تواصل » صحف ومجلات

الهاجري: الابتزاز الإلكتروني تحوّل مـن ممارسـات عشوائية إلى جريمة منظمة

في 2015/12/21

الامارات اليوم-

كشف مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية في شرطة دبي، المقدم سعيد الهاجري، عن تطور جريمة الابتزاز الجنسي الإلكتروني لتتحول من مجرد ممارسات عشوائية فردية، إلى جريمة منظمة تنفذها عصابات منتشرة على مستوى العالم.

وقال الهاجري لـ «الإمارات اليوم»، إن هذه العصابات طورت أسلوبها في استدراج الضحايا، فبدلاً من استخدام مقاطع فيديو مسجلة لنساء يتعرين، بدأت في الاستعانة بنساء لأداء هذا الدور، بهدف حبك الخدعة وإقناع الضحية بأنه لا يتعرض للتلاعب.

وأضاف أن شرطة دبي تبذل جهوداً فائقة لإنقاذ الضحايا، من خلال محو كل المواد الجنسية التي يهددهم بها المبتزون من على شبكة الإنترنت، وتحديداً موقع «يوتيوب» ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تلاحق المتهمين سواء كانوا في الداخل أو في دولهم، فضلاً عن أنها استقدمت رجال شرطة مختصين في مكافحة الجرائم الإلكترونية في الدول التي تنشط بها عصابات الابتزاز، لتدريبهم في الإمارات على كيفية رصد الجريمة وملاحقة المتهمين، وتوفير أدلة كافية تضمن إدانتهم في ساحة القضاء، وحصولهم على عقاب رادع.

وأوضح الهاجري، أن الابتزاز الجنسي يعد من أقسى الجرائم الإلكترونية، وتسبب في تدمير أشخاص على مستوى العالم إنسانياً واجتماعياً، منهم مراهقون انتحروا نتيجة الضغوط التي تعرضوا لها، مشيراً إلى أن شرطة دبي استقبلت حالات لأشخاص يحتلون أماكن مرموقة في المجتمع تعرضوا لهذا النوع من الابتزاز، وكانوا في حالة نفسية سيئة للغاية، وتدخلت لمساعدتهم في محو المحتوى الجنسي الخاص بهم، كما تعقبت المجرمين في الدول التي نفذوا جرائمهم منها.

وأوضح أن هذه فاتورة غالية يدفعها الإنسان للعولمة وسهولة التواصل عبر التقنيات الحديثة، لافتاً إلى أن الضحية يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية، حين يحمّل بكامل إرادته تطبيقات على هاتفه، تجعله عرضة لهذه الجرائم، من دون أن يقرأ شروط وأحكام الاستخدام، مبيناً أن مزوّدي هذه الخدمات يخلون مسؤولياتهم القانونية بكتابة شروط مجحفة يقبلها المستخدم دون أن يقرأها.

وتابع الهاجري: «أجهزة الشرطة تجد صعوبة كبيرة في اتخاذ إجراء قانوني لاحقاً، نظراً لأن الضحية قبل المخاطرة طواعية، ونجد أنفسنا كرجال أمن عاجزين عن محاسبة هذه الشركات، لأنها حمت نفسها قانونياً»، مضيفاً: «شروط التطبيقات ضد المستخدم، ونحاول من جانبنا مساعدته في التخلص من آثار الجريمة، لكن في النهاية هناك حدود لعملنا، ونعوض ذلك بحملات التوعية من مخاطر الوقوع في براثن المبتزين عبر تلك التطبيقات الخبيثة».

وشرح أنه بعد تحميل الشخص أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، يتم ضمه إلى مجموعة تشمل مبتزين من دون علمه، فيتورط في جريمة أو يتحول لضحية، وفي الحالات كافة لم يجبره أحد على ذلك.

وقال: «هناك أجهزة أمنية في دول عدة لا تلتف إطلاقاً لهذه البلاغات، ولا توفر أي مساعدة للضحية، بل تبلغه صراحة أنه مسؤول عما حدث له، وعليه أن يتحمل مسؤوليته كاملة، لكن الوضع يختلف في الإمارات، إذ نعتبر الأمن الشخصي للفرد جزءاً من أمن المجتمع عموماً، ولا يمكن أن نتخلى عنه بأي حال من الأحوال».

وواصل: «يجب أن يدرك الجميع أن الإنترنت متصل بكل مكان في العالم، وهناك أشرار خطرون في دول أخرى، يستغلون الفرص للإيقاع بالضحايا، مستغلين تقنية قليلة الكلفة والمخاطر، وعالية المردود».

وذكر أن «الجريمة الإلكترونية تتطور بشكل مضاعف وليس تدريجياً، مثل الجريمة التقليدية، ففي البداية يتعلم المجرم الإلكتروني أشياء بسيطة مثل اختراق حسابات الأفراد واختلاس ما يمكن أخذه منها، أو تهديدهم وابتزازهم، ثم تعجبه الفكرة الرخيصة، ويبدأ في استهداف مجموعات أكبر أو شركات ومؤسسات ضخمة لتحقيق مكاسب أكبر».

وأكد أن «خبراء المكافحة يطوّرون أنفسهم في المقابل، ومهما بلغت احترافية المجرم يترك أثراً وراءه، لكن يجب أن ينتبه الأفراد لأنفسهم، لأن من الصعب تفادي العواقب، حتى لو تم القبض على المجرم وإحالته إلى العدالة، وهذا أحد مخاطر جريمة الابتزاز الجنسي».

وأوضح الهاجري، أن «المجرمين الإلكترونيين لم يعودوا بنفس سذاجة الماضي، لكن صاروا أكثر تنظيماً، ويختارون المكان الذي يمارسون فيه جرائمهم بعد مراجعة القوانين جيداً، لتحديد الثغرات التي يمكن أن يخرجوا منها إذا تم ضبطهم».

وأكد أن «الإشكالية الكبرى تأتي من الدول التي تعاني فساداً أو اضطراباً، إذ يتصرف المجرم بقدر كبير من الثقة في صعوبة ملاحقته أو ضبطه، ويكون أكثر قسوة مع ضحاياه لإدراكه أنه لن يخسر شيئاً»، موضحاً أن «العصابات الدولية صارت لديها أقسام مختصة في الجرائم الإلكترونية، نظراً لمردودها الهائل وكلفتها القليلة، في ظل عدم الحاجة لانتقال المجرم أو استخدام الوسائل اليدوية التقليدية».

وحول أكثر الدول التي تمثل تهديداً في جرائم الابتزاز الجنسي الإلكتروني للرجال، قال الهاجري: «الجريمة انطلقت من إحدى دول شمال إفريقيا، وتكررت بشكل لافت حتى صارت أكثر تنظيماً من داخل هذه الدول، ثم انتقل الأسلوب إلى بقية بلدان شمال إفريقيا».

وفي ما يتعلق بدرجة استجابة الدول التي تؤوي متهمين، أوضح الهاجري: «بعض الدول يتجاوب معنا، والبعض الآخر لا يتجاوب، لكن صار لدينا خبرة التواصل مع السلطة الصحيحة، وبنينا جسوراً وعلاقات مع نظراء لنا، حتى وصلنا إلى ما يمكن وصفه بـ(مربط الفرس)».

وكشف أن شرطة دبي حرصت على تقديم بعض المساعدات اللوجستية لتلك الدول، فنظمت دورات عن طريق المنظمة الدولية للشرطة الجنائية «الانتربول»، والتحق بها كل الضباط المختصين في مكافحة الجرائم الإلكترونية بتلك الدول، بهدف رفع كفاءتهم وتدريبهم على كيفية رصد وملاحقة وضبط المجرمين، وتوفير الأدلة الكافية لإدانتهم، مؤكداً أن هذه الخطوة حققت نتائج مهمة، سواء من حيث التعاون أو القبض على أعداد كبيرة من المجرمين.

وأكد أن تحول هذه الجريمة من المسار العشوائي الفردي إلى الشق المنظم، أدى إلى تعقيدها كثيراً، فالمجرمون الآن لا يختارون ضحايا عاديين، لكن يركزون على الأغنياء والشخصيات رفيعة المستوى، لضمان تحقيق أكبر قدر من المكاسب، لافتاً إلى سقوط عدد كبير من المشاهير والشخصيات العامة والمديرين التنفيذيين في فخ هذه العصابات.

وأكد أنه رغم تحولها إلى نوع من الجريمة المنظمة، إلا أن شرطة دبي، بإمكانها التصدي لهؤلاء والوصول إلى الجناة، خصوصاً في ظل تنظيم حملة موسعة من قبل خدمة الأمين بالإدارة العامة لأمن الدولة، بالتنسيق مع هيئة تنظيم الاتصالات تحت شعار: «الابتزاز الإلكتروني.. احذر أن تكون التالي». ولفت إلى أنها حققت نتائج مبهرة انعكست على مؤشر البلاغات التي ترد إلى إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية.