د. علي بن حمد الخشيبان- الرياض السعودية-
مشروع التحول الوطني من المؤكد أنه يراعي أنه ينطلق في مجتمع يشكل فيه الشباب نسبة تتجاوز الستين بالمئة، لذلك فإن هذا المشروع يدعم وبشكل كبير التحول من مجتمع الرعاية إلى مجتمع العدالة المجتمعية القائمة على توسيع المجال الكمي والكيفي للطبقة المتوسطة في المجتمع..
شريحة متنوعة من المجتمع بدت فعلياً أنها ممثلة حقيقية للمجتمع السعودي بجميع شرائحه، لقد كان التنوع في الشرائح المدعوة مختلفاً فالترشيح للمدعوين من الجنسين، كان مدروساً بل كان اختيار كل مدعو له أسبابه المنطقية، هكذا بدا لي تفسير ذلك التنوع بين المدعوين الذين لديهم سمة مشتركة تتمثل في قدراتهم على تقديم آراء وأفكار ومقترحات ذات طبيعة مستقلة لمثل هذه الورشة.
هذه الشريحة الوطنية كانت على موعد لحضور ورشة عمل "الخطة المقترحة لبرنامج التحول الوطني" من أجل المساهمة في بناء رؤية وطنية هدفها مضاعفة قدرات الاقتصاد الوطني وإطلاق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والتنموية، فمحور الورشة ركز على اطلاع المدعوين على أهداف ومبادرات برنامج التحول الوطني وفتح مساحة من الحوار المفتوح وغير المقيد لمناقشة الموضوعات المطروحة بكل شفافية.
الجانب الأكثر أهمية في هذه الورشة تمثل في التحاور المباشر مع سمو ولي ولي العهد مهندس المشروع وصاحب الحلم والرؤية الوطنية في هذا الجانب لإحداث تحول هيكلي وإجرائي في مفاصل الاقتصاد الوطني وتحقيق نقلة نوعية في الأداء الحكومي، الأمير محمد بن سلمان ملم تماماً بهذا المشروع ولم يكن مجرد رئيس لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بل كان جزءاً من فريق العمل ليس من حيث الاطلاع فقط بل من حيث المشاركة في الإنجاز أيضاً.
بكل صراحة وشفافية تحدث الأمير محمد بن سلمان عن مشروع الوطن الطموح وعن التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي وعن قراءته للمستقبل، وعن المستقبل الذي يمكن أن يغير من وجه التنمية والتطور في المجتمع السعودي، كانت لفتة مهمة أن المراهنة التي جاءت من جانب سمو الأمير على نجاح على المشروع اعتمدت على الشعب السعودي بجميع فئاته.
المشروع تحد كبير للحكومة وللمجتمع وللمسؤولين من الوزراء والمعنيين بتنفيذ هذا المشروع، ولن تكون مساراته مفروشة بالورود فهناك الكثير من التحديات التي يجب تجاوزها، فالتغيير كما هو معروف ظاهرة لا تحظى بالقبول دائماً ولكن في هذا المشروع على المجتمع أن ينظر إلى التغيير كونه إنجازاً عظيماً هدفه مصلحة الوطن والمجتمع مقترن بحلم ورؤية وطنية يجب أن تتحول إلى حقيقة.
في ثنايا كلمات سمو الأمير محمد بن سلمان، بدا واضحاً أن التغيير ليس عملية تطويرية فقط بل هو عملية إصلاح شامل وفق مشروع وطني يستند فعلياً على التكوين السياسي والاجتماعي الراسخ في المجتمع ولا يكسر أياً من الأسس والتقاليد والقيم الوطنية بل يجعلها قادرة على استيعاب التحول بمرونة، بل ينطلق منها نحو عملية إصلاحية هدفها الأخير الوطن بجميع مواطنيه لترسيخ مكانة الوطن سياسياً واقتصادياً.
بشكل استراتيجي بدا واضحاً أن الرؤية المستقبلية خلف تقديم هذا المشروع والعمل عليه في المجتمع هو أن يكون الاقتصاد السعودي جزءاً فعالاً ومؤثراً دائماً في نظام اقتصادي ومالي عالمي، كل مواطن عبر هذا المشروع -كما أدرك- موعود بأن يحصل على موقع صحيح في مستقبل هذا الوطن من خلال مشاركة فعالة في تحقيق التحول.
مكافحة الفساد ونشر ثقافة النزاهة في المنظومة الحكومية وترسيخ نظام محاسبي فعال كان محوراً أساسياً في كلمات سمو الأمير أيضاً والهدف من ذلك مساهمة مشروع التحول الوطني في خلق بيئة اقتصادية خالية من الثغرات النظامية والقانونية التي قد تساهم في تحفيز حدوث الفساد.
مشروع التحول الوطني من المؤكد أنه يراعي أنه ينطلق في مجتمع يشكل فيه الشباب نسبة تتجاوز الستين بالمئة، لذلك فإن هذا المشروع يدعم وبشكل كبير التحول من مجتمع الرعاية إلى مجتمع العدالة المجتمعية القائمة على توسيع المجال الكمي والكيفي للطبقة المتوسطة في المجتمع، وكما هو معروف أن استقرار الطبقة الوسطى وتوسعها يشكل محور التوازن في استقرار المجتمعات سياسياً واقتصادياً، كما ان الوصول إلى مجتمع العدالة بدلاً من مجتمع الرعاية سوف يساهم في إعادة النظر في تحسين المعادلة الاقتصادية عبر الحد من مجموعات كبار الرابحين ومتوسطي المكاسب، لأن ذلك النهج سوف يساهم في الحد من الكم الهائل من الخاسرين اقتصادياً في المجتمع.
على الجانب الآخر لم تعد فكرة النمو الاقتصادي المعتمد على المركزية للتعامل مع الكتل الجغرافية الشاسعة كما هو الحال في المملكة مقبولة في الأنظمة الاقتصادية الحديثة، فلابد أن يكون هناك شكل مقترح من الاستقلالية الاقتصادية لكل منطقة جغرافية بهدف منحها الفرصة للمساهمة بشكل فعال في الناتج المحلي، وكما هو معروف أن المركزية المطلقة مشروع مضاد لكل عمليات التطور والإصلاح، وكما بدا من مهندس المشروع الأمير محمد بن سلمان ان مشروع التحول الوطني سوف يمنح الفرصة الكاملة للتنوع والمساهمة والاستقلالية في وطن شاسع بحجم السعودية.
المشروع لم يغفل عن التنمية الثقافية ولكنه لم يضعها تحت إطار مبادرة مستقلة إنما جاءت عناصر التنمية الثقافية بمحتوياتها المتعددة موزعة بين عدة جهات ومؤسسات في الدولة، ولذلك اقترحت بشكل شخصي أن يتم تجميع كل الأنشطة الخاصة بالتنمية الثقافية وخاصة في عناصرها الأساسية الشباب "من الجنسين" والثقافة والترفيه والتطوع والانتماء الوطني ومؤسسات المجتمع المدني..الخ تحت مبادرة مستقلة اسمها التنمية الثقافية.
التنمية الثقافية تتطلع إلى أن يكون لها مؤسسة أو هيئة مستقلة تسهم وبشكل مباشر في صناعة استراتيجية وطنية للتنمية الثقافية هدفها كسر الهوة التي نشهدها بين المجتمع وأفراده وبين مشروعات التنمية الوطنية ومنها مشروع التحول الاقتصادي الذي نراه اليوم، لذلك علينا أن نجيب على سؤال مهم حول حجم التغيير الذي ننتظره من هذا المشروع لدمج الشباب من الجنسين في منظومة التنمية المجتمعية بكل أبعادها الاقتصادية والثقافية والسياسية.
التجربة التنموية للوطن والتي يمكن قراءتها من خلال تسع خطط تنموية انطلقت قبل أربعة عقود تقريباً، يجب أن تكون دروساً حقيقية من الماضي تسهم في معرفة أين أصابت تلك الخطط وأين أخطأت لنعبر من خلالها نحو مشروع تحول وطني الجميع يتطلع إلى نتائجه كونها تساهم فعلياً في تحسين مستويات الاقتصاد الوطني وتدعم تحولات إيجابية في الأداء الحكومي.
فريق العمل في هذا المشروع وعلى رأسهم سمو ولي ولي العهد مدركون بشكل جلي وواضح أنهم يستوعبون تفاصيل مشروعهم الطموح وهذا يبعث للاطمئنان المجتمعي وبشكل كبير لأن المكونات الرئيسة لمثل هذا المشروعات الوطنية متوفرة من خلال قيادة طموحة للمشروع تملك حلماً ورؤية تستحق التنفيذ، بالإضافة إلى فريق عمل وطني مؤهل، ودعم بالفكرة والرأي تأتي من شريحة متنوعة من المجتمع.
الخطة المقترحة لبرنامج التحول الوطني عليها أن تسابق الزمن في النضج والجاهزية لأنه لا مجال للإخفاق بعد أن اطلع المجتمع على هذا المشروع وتفاصيله، فالتحدي الكبير لهذه الخطة هو تحد مع الزمن ففي العام الميلادي 2020 لابد وأن تُقرأ النتائج.