هاني الظاهري- عكاظ السعودية-
تقرير الحكومة البريطانية الذي طرحت نتائجه في البرلمان أخيرا وربط بين تنظيم الإخوان المسلمين والتطرف والعنف يمكن وصفه بالانقلاب التاريخي في المشهد السياسي البريطاني، فلطالما كانت لندن الملجأ الأكثر أمانا وكرما لرموز التنظيم منذ نشأته قبل أكثر من 80 عاما، والكثير من الوثائق تشير إلى الدعم الكبير الذي قدمه البريطانيون للجماعة تاريخيا سواء كان ذلك دعما سياسيا لها داخل مصر والعالم والعربي، أو حماية لمطاريدها من الملاحقات القانونية الدولية عبر احتضانهم في عاصمة الضباب.
رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون قال في تعليقه على التقرير المبني على التحقيقات التي أجراها السير جون جنكيز سفير بريطانيا السابق في الرياض: «إن التحقيق أظهر أن أي علاقة مع الإخوان أو التأثر بهم تعد مؤشرا على التطرف، كاشفا عن أنه سيتم تكثيف المراقبة على أنشطة وآراء جماعة الإخوان وأنصارها في الخارج»، وهذه ضربة تاريخية هي الأولى من نوعها لعلاقات جماعة الإخوان بالمملكة المتحدة.
يبدو الملعب السياسي والإعلامي البريطاني الآن في أتم الجاهزية لدخول إعلام الرياض وأبوظبي والقاهرة في المعادلة، فالمحور السعودي الإماراتي المصري كان السباق لحظر هذه الجماعة وتصنيفها كتنظيم إرهابي وقد حان الوقت ليقول للبريطانيين بكل اختصار: «لقد اكتشفنا ذلك قبلكم وعليكم الاستفادة من خبراتنا في مكافحة الإرهاب»، ولابد أيضا أن يأتي هذا سريعا في خضم الجدل الواسع في الصحافة الأوروبية حول مواقف العواصم الثلاث من الإرهاب، فهناك فعليا مكاسب سياسية للمحور العربي ملقاة في الطريق وعليه العمل على التقاطها بشكل يجبر العالم على احترامها، بدلا من تضييع الفرص تلو الأخرى ومنح الخصوم أرض الملعب كاملة لتسجيل أهداف غير مستحقة.
قبل صدور التقرير بأشهر حاولت بعض الأقلام المعادية للسعودية في الإعلام البريطاني تضليل الرأي العام بترويج معلومات عن أن تحقيق السير جنكيز أثبت براءة تنظيم الإخوان ليدين بالتالي الدول التي صنفته ضمن التنظيمات الإرهابية، ومن ذلك ما نشره صديق التنظيم الكاتب بيتر أوبورن في التيليجراف بتاريخ 31 أكتوبر 2014، مؤكدا أن ضغوط الرياض على لندن ستدخل التقرير في طي النسيان ولن يتم الإعلان مطلقا عن نتائجه لأنها ضد مصلحة السياسي السعودي، واليوم يأتي التكذيب الصريح لمزاعم أوبورن من حكومة بلاده نفسها، فهل سيعترف بأن رفاقه الإخوانيين ضللوه أو استأجروه؟! هذه بالطبع مهمة جديدة للوبي العربي في الصحافة الغربية تتلخص في تعرية خصوم الرياض وإسقاطهم بإجبارهم على الاعتذار عن طرحهم التضليلي المصلحي الكاذب.
شخصيا تلقيت عام 2014، أي خلال فترة إعداد التقرير اتصالا هاتفيا من السفارة البريطانية في الرياض يدعوني للقاء خاص مع شخصية قادمة من لندن في أي مكان يناسبني، كانت الدعوة حسب ظني مرتبطة بسلسلة مقالات كتبتها عن تنظيم الإخوان نشرت في صحيفة الحياة طوال العامين السابقين للاتصال، لكني اعتذرت عنها لأسباب خاصة، حينها أيقنت أن فريق التحقيق البريطاني يتحرك في كل الاتجاهات ويتتبع بحرفية كبيرة أي خيط يقود لمعلومات عن نشاطات وأفكار الإخوان للوصول لنتائج موضوعية حول حقيقة هذا التنظيم المتطرف بعيدا عن تضليل اللجان الإعلامية التابعة له.. كنت متأكدا تماما من أنه سيصل إلى هذه النتائج في نهاية المطاف، لكن ما أنا متأكد منه بشكل أكبر اليوم هو أن الإعلام البريطاني في حاجة ماسة لسماع صوت الرياض وأبوظبي لتأكيد تفوقهما في مكافحة الإرهاب استخباراتيا وسياسيا وإعلاميا أيضا.