سلمان الدوسري- الشرق الاوسط السعودية-
رسم الملك سلمان بن عبد العزيز خريطة طريق للسياسة السعودية في الداخل والخارج٬ وذلك خلال خطابه في مجلس الشورى أمس٬ مجدًدا ثوابت السياسة السعودية التي اعتمدت طوال تاريخها على منهج العقل والحكمة٬ ولا تزال.
وعلى قدر ما قدم خادم الحرمين الشريفين وثيقة عمل للسلطتين التشريعية والتنفيذية٬ أثبت أن المملكة تتغير من الداخل وفق رؤية أساسها تعزيز اللحمة الوطنية بين أفراد الشعب السعودي٬ وأن المواطن هو الهدف الرئيسي للتنمية٬ فخلال 11 شهًرا تقريًبا سجلت الدولة السعودية إصلاحات واضحة في مجالات السياستين الداخلية والخارجية٬ والاقتصاد٬ والتعليم٬ وحقوق المواطنين الأساسية٬ بالإضافة إلى التغييرات الجذرية المرتقبة في خطة التحول الوطني المزمع الإعلان عنها قريًبا. ومن يراجع سجل هذه الإصلاحات٬ يدرك مدى التغيير الإيجابي الذي تحدثه المنظومة السعودية في عهدها الجديد٬ فالجميع يتفق على أن التغيير إلى الأفضل أصبح سمة من سمات الدولة السعودية٬ وأن القرارات التي اتخذها الملك سلمان هدفها أن تكون المملكة دولة متطورة عصرية لا تعرف الجمود٬ وفق سياسة تقوم على التوازن الدقيق بين التحديث والحفاظ على القيم الإسلامية٬ كما في حديث الملك سلمان عن المرأة واهتمام الدولة بتوسيع مشاركتها في التنمية.. «بما لا يتعارض مع تعاليم الدين»٬ وأن المرأة السعودية «أثبتت كفاءتها وقدرتها على أداء دورها في مختلف المجالات».
وعلى الرغم من المؤثرات الخارجية والأخطار غير المسبوقة إقليمًيا٬ وعلى الرغم من التقلبات الاقتصادية الدولية وانخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية٬ فإن العاهل السعودي كان حريًصا على أن يحمل خطابه تأكيدات بأن مسيرة التنمية ستتواصل. وهذه نتيجة طبيعية للسياسات الاقتصادية السعودية المتوازنة والفاعلة التي تتبعها الدولة في ضبط الأوضاع المالية العامة. وهنا نشير إلى نجاح الدولة السعودية٬ على الأقل حتى الآن٬ في استيعاب أي تأثيرات سلبية اقتصادية محتملة٬ وتقليل تأثيراتها على المواطنين قدر الإمكان٬ وحتى مع أي قرارات اقتصادية محتملة ضمن برنامج تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط٬ فإنها ستحرص على ألا تنعكس سلًبا على المواطنين ذوي الدخل المحدود٬ بل تعود عليهم بالفائدة على المديْين المتوسط والطويل.
وعلى الرغم من أن الملك سلمان شدد على أن «الحل السياسي»٬ هو المخرج للأزمة اليمنية٬ وكذلك الأزمة السورية٬ ومع أن السلام ظل الاستراتيجية التي تقوم عليها الدبلوماسية السعودية طوال تاريخها٬ فإن الرياض في الوقت نفسه لا تنتظر حتى تقترب النيران من حدودها٬ لذا كانت «عاصفة الحزم» في اليمن أولاً٬ وكان «التحالف الإسلامي العسكري» ضد الإرهاب والجماعات المسلحة مؤخًرا٬ وكما تسعى المملكة وتمد يدها للسلام متى ما كان ممكًنا٬ فإن ذلك لا يمنع من أن تضع الحلول العسكرية باعتبار أن «آخر العلاج الكّي» متى ما تعرض أمنها واستقرارها للخطر.
وفي خضم التغيير الذي تنشده السعودية وتخطو إليه بخطى ثابتة٬ بقي أن نشير إلى رسالة بالغة الأهمية وجهها الملك سلمان٬ للداخل والخارج٬ بعدم السماح «لكائن من كان بالعبث بأمننا واستقرارنا»٬ وكذلك التصدي لدعوات الشر والفتنة «أًيا كان مصدرها ووسائل نشرها»٬ فكلما صعدت السعودية درجة٬ زادت وتيرة الحملات ضدها٬ وكلما اتسع نطاق قوتها وتأثيرها٬ ازداد تكالب الخصوم عليها٬ ووحدهم مواطنوها قادرون على صد تلك المساعي مهما كانت قاسية أو عدوانية أو شرسة.