قينان الغامدي- الوضن السعودية-
كثيرون جداً لا يصدقونني حين أقول هناك "خطر كبير" على بلادنا موجود في الداخل، وسأحاول اليوم أن أفكك لكم بعض ما ترونه وتقرؤونه وتسمعونه من غرائب، سواء كانت أحكاماً قضائية أو تدخلات في الخصوصيات، أو إقصاء البعض وتقديم البعض الآخر وهم لا يستحقون، أو التكتل والتعصب ضد شخص وإقصاءه أو تشويه سمعته، أو مؤسسة وتشويهها والتشنيع عليها، أو حتى ضد الحكومة، وضد الملك ذاته، وأعضاء القيادة العليا في الدولة.
"السرورية" لا شك عندي –وكثيرون غيري يعلمون– أنها تنظيم حركي موجود وحي ومتحرك ومؤثر ومسيطر على بعض مفاصل الوطن في كل مؤسساته ووزاراته، وله "لوبيات" في كل منطقة وكل مدينة ومحافظة وفي كل إدارة، وهو تنظيم مترابط وبدقة، ويعرف كيف يعمل، وماذا يفعل لإضافة آلاف من "الدراويش" ليكونوا أتباعاً له ومروجين لفكره، بل ومادحين له، والقضية ليست في "الدراويش" من العوام والمخدوعين وهم الغالبية الساحقة الذين لا يعرفون أهداف هذا التنظيم الحركي، ولا يعلمون أنه يخدعهم ويستعبدهم باسم "الدين" والدين بريء من التنظيم ومما يسعون إليه! وإنما القضية الأخطر هي أن هناك بعضاً ممن ينظر إليهم المجتمع بصفتهم فقهاء وعلماء، ومع أنهم موالون للدولة ومحبون للنظام، بل وضد كل ما يؤثر عليه، ويدعون لولاة الأمر ويناصرونهم وهم صادقون في هذا بل وداعمون حقيقيون، لكنهم –مع الأسف الشديد– متشددون بل ومتطرفون في كثير من أمور الحياة القابلة للاختلاف فقهياً منذ القدم، ولهذا يختارون أشد الاجتهادات، ويرددونها في فتاواهم، والناس يصدقونهم، ويطبقون ما يقولون، مع أنها وجهة نظر أو اجتهاد، لكن أهم من هذا، أن هؤلاء لا يعلمون أن ما يقولونه تقليداً لسابقيهم، أو حفظاً من المتون، يستغله تنظيم "السروريين" الحركي وغيرهم أسوأ استغلال، من خلال ترويجه عبر من يسمون أنفسهم "دعاة وطلاب علم"، أو عبر التشنيع ورفض أي قرار تتخذه الحكومة، وهذا الرفض حججه واهيه، لكنهم دائماً يجدون في "فتاوى" أولئك الطيبين ما يسعفهم ويدعمهم، ويكرس تنظيمهم، فليت علماءنا وفقهاءنا ينتبهون لهذا الاستغلال، ويراجعون فتاواهم وآراءهم، وينورون الناس بما فيها وحولها من اختلافات، فمن شاء يأخذ بالرأي المتشدد فليفعل، ومن شاء أن يأخذ بالرأي المتسامح فليفعل، إذ إن لكل منهم دليله وتخريجه وفهمه، وأن يعتمد علماؤنا وفقهاؤنا الأجلاء "فقه الواقع" الذي سيتيح لهم الاجتهاد وفق ظروف العصر، ووفق ما يخدم الوطن، ولا يتعارض مع أساسيات وقواطع "الدين الحنيف"، وهذا لا شك سيقطع الطريق على هؤلاء، بل ويضربهم في الصميم، ويحمي الوطن من شرهم، وعلماؤنا وفقهاؤنا الأجلاء، وعلى رأسهم سماحة المفتي، لا أشك لحظة واحدة في أنهم يسعون إلى خير الوطن والقيادة والناس كلهم، بل وحريصون على ذلك، ويحثون عليه، وفقهم الله وأعانهم.
"السرورية" الآن هي أخطر تنظيم "حركي" باسم الإسلام البريء منه تماماً، وهذا التنظيم ما زال متغلغلاً، وهو تنظيم يطمح ويعمل من أجل الوصول إلى السلطة، ليس في المملكة فقط، بل إنه يتفق تماماً مع جماعة "الإخوان المسلمين" في ضرورة إقامة دولة "الخلافة"، والسروريون بحكم نفوذهم في بلادنا يرون أن المملكة هي الأنسب في البداية، بحكم رعايتها للحرمين الشريفين والمقدسات، وقوتها الاقتصادية، ومن هنا –وبعد السيطرة والسلطة على السعودية– تنطلق دعوات وشعارات وقوات "الخلافة الإسلامية" المزعومة، التي رفع "داعش" شعاراتها، وسيرفع "السروريون" في بلادنا ذات الشعار، متى ما وصلوا إلى مرحلة "التمكين"، و"التمكين" هذا مصطلح أساسي في أدبيات "جماعة الإخوان المسلمين"، لكن "السرورية" وهي تستنكر، بل وتشتم الإخوان المسلمين أحياناً، كانت –وما زالت– أذكى وأهم وأخطر من "الإخوان المسلمين" على وطننا، وغيره من الأوطان العربية، لأن المملكة لم ولن تسمح للإخوان المسلمين بتكوين فرع لجماعتهم، منذ أيام الملك عبدالعزيز، رحمه الله، حتى الآن، لكن "السرورية" أخذت عن جماعة "الإخوان المسلمين" التنظيم الحركي السري، والأسلوب العسكري والتدريب السري أيضاً، وهو ما سماه الأمير خالد الفيصل "المنهج الخفي"، وأقام له ندوة كبرى في عسير منذ نحو 10 سنوات، هذا "المنهج الخفي" غلّفته "السرورية" بغلاف الفقه السلفي الذي يسمونه تارة "الوهابي" أو "فقه ابن تيمية" أو "الحنبلي"، وكلها –مع الأسف للمرة العاشرة– شائعة ومكرسة ومحترمة ومطبقة عملياً ونظامياً، وهي –مع الأسف للمرة المليون– ليست سوى اجتهادات فقهية، لا حرج في رفضها أو قبولها، لكن "السرورية" ومن خلال ما سمي "الصحوة" جعلت هذه الاجتهادات والفتاوى من المقدسات، بل ومن يمسها أو يعارضها، فهو يمس الدين ذاته ويعارضه، وبالتالي فهو كافر! وكلنا نعرف ما يتم الترويج له حتى هذه اللحظة، من عنف من أجل الإنكار الفردي على أي أمر يراه "السروري" باطلاً، ولا فرق في مسألة العنف اللفظي أو المادي هنا بين "سروري عضو في التنظيم مدرك للهدف"، وبين "درويش" مخدوع مع أنه مخلص للدين وأهل الدين أو من نسميهم "ضالين" أصبحوا ضمن خلايا نائمة أو صاحية في بلادنا، أو لحقوا بداعش وكلهم يمثلون الحطب أو الفرع، أمّا الشجرة فأصلها "السروري" ثابت ومنتج، وكلنا نعلم الاتهامات الموجهة للمملكة من الخارج وأخطرها تهمة "الإرهاب" وتصديره للعالم، وكل هذا بسبب هذا الفكر الخطير الشائع المكرّس!
"السرورية" خطر داخل المملكة، ولو تم –فقط– استنطاق المساجين في جميع سجون المملكة في قضايا أخلاقية بموضوعية، لعرفت الحكومة مدى تغلغل التنظيم في أجهزتها وفداحة "الابتزاز" الذي مورس على هؤلاء المسجونين، وكيف تضافرت جهود "اللوبيات" السرورية من جهات مختلفة حتى أوقعتهم وراء القضبان!
وأنا هنا لا ألوم أحداً، فكلنا بلا استثناء امتدحنا أو صمتنا عن السرورية وغطائها المسمى الصحوة، بل ومتأثرون بها، وأنا –شخصياً– لولا لطف الله، لكنت أحد أتباعها، لكنني بحكم قراءاتي واطلاعي اكتشفت "اللعبة" مبكراً، ونجوت ونجا إخواني وأولادي، ولعل بعض قرّائي منذ زمن بعيد نجوا.
و"السرورية" هي التي ولّدت السلفية الجهادية ثم القاعدة وداعش، وكلنا نستنكر ونشجب أفعال "داعش" لكن "السروريين" منا وخاصة "الحركيين"، يقولون علناً: "أخواننا، بغوا علينا" ويقولون "لا نستطيع تكفيرهم" ويقولون "هم يرون –يقصدون المجرمين الدواعش– الظلم في كل مكان على المسلمين في العالم، ويرون التجاوزات والاختراقات لتعاليم الدين في كل يوم" في لغة تبريرية واضحة مغلفة بغلاف استنكاري للفعل مع أنهم يرون الدواعش وهم يذبحون بطرقهم البشعة كل يوم، ويمارسون القتل والإرهاب مع منسوبي كل المذاهب والأديان، وهم –أي الدواعش– يستندون على فكر وفتاوى روّج لها السروريون وكرّسوها في داخل المملكة، وفي كل بقعة من الأرض وصلت إليها بركات "الصحوة" ودعاتها، وفكرها! ولهذا فليس مستغرباً أن نرى مقاتلين في "داعش" من مختلف الجنسيات والبلدان!
طبعاً من يبرر ويداري هم "السروريون"، ومن يشير بأصابع الاتهام إلى الاستخبارات العالمية، أو يستشهد بالجنسيات الكثيرة المنتسبة لداعش هم "السروريون" أيضاً، لدفع التهمة عن فكرهم الذي انتشر وما زالوا يكرسونه، وكل هذا لمصلحة التنظيم، قطعاً، وأتباعهم من "الدراويش" يؤيدونهم، ويدافعون عنهم، ولاحظوا الملايين التي تتابع معظمهم في "تويتر"، ولاحظوا أن أحدهم متخصص في إعادة وتكريس فتاوى علمائنا وفقهائنا التي تدعم فكر التنظيم "السروري"، وهو يفعلها وبراءة الأطفال في عينيه اللتين بكتا على الشاشة، تعاطفاً وحزناً على أطفال سورية ونسائها وبناتها اللاتي يتزوجهن أتباع "السرورية"، ويستغلون حاجتهن ثم يرمونهن، كما يرمون أي نفاية في سلة المهملات، وكل ذلك باسم "الدين" والعياذ بالله! وهناك مسؤولون يخافون منهم، أو يتمصلحون من مداهنتهم، وقد أوضحت هذا في مقالات سابقة عناوينها هي: "لماذا أركز على ما سمي الصحوة: الخطر الداخلي أهم وأعظم، المرأة والفكر العدائي: حتى لا يجبرونا على الاجتثاث، وزارة التعليم والحركيون والسحيمي: فطن سيدخل عيادة الرقاة، ومدير تبليم الطائف: تكفى قل آمين يا العيسى" وهي محفوظة وموجودة في موقع الصحيفة لمن أراد! أمّا أنا وأمثالي فمن يستطيع أن ينكر ويكشف ويحذر من خطرهم، فإنه سيغامر بسمعته التي سيشوهونها وقد فعلوا، بل وبشرفه وعرضه ودينه، بعد أن استفحلوا وأنتجوا مجتمعاً مدجناً بهذا الفكر المنحرف على مدار نحو 40 سنة؟ ولذلك لا أحد يستطيع مواجهتهم إلا من يغامر مثلي! ويتحمل سهامهم من أجل الوطن، لكن الحكومة إذا اقتنعت بالخطر الذي عند رجليها، وهي تستطيع، بل أطالب بتكوين "هيئة عليا لاجتثاث الفكر السروري"، وفق خطة فكرية وإعلامية مدروسة وقوية وسريعة، وإلاّ فإن "السرورية" سيعظم خطرها حتماً والمقدمات واضحة!