تواصل » صحف ومجلات

التعزير بالشبهة

في 2015/12/25

عبد الرحمن اللاحم- الرياض السعودية-

(المتهم بريء حتى تثبت إدانته) جملة شهيرة تتداولها الألسن عند الحديث عن العدالة وحقوق الإنسان وهي أول قاعدة حقوقية يتلقاها الطالب أو الطالبة وهو يدرس معايير المحاكمة العادلة.

ومن وضوحها أنها لا تحتاج إلى تعقيد في الشرح؛ فهي تعني أن الأصل في الإنسان البراءة وكما كان يقول فقهاؤنا بأن الأصل براءة الذمة لذا تشاهدون المتهمين في بعض الدول عندما يمثلون أمام القضاء؛ يلبسون الثياب البيضاء وذلك تجسيداً لقاعدة افتراض البراءة والذي يرمز لها اللون الأبيض حيث النقاء الذي لا يدنسه شيء، ولمركزية هذه القاعدة في منظومة العدالة الجنائية فإن معظم الدول تنص عليها في دساتيرها بحيث تكون قاعدة دستورية لا يجوز المساس بها

في نظام الإجراءات الجزائية في السعودية لم ترد هذه القاعدة بهذا النص المتعارف عليه، إلا ان القواعد الشرعية الراسخة تؤكدها حيث إن الشريعة وضعت معايير صارمة لإثبات الإدانة في مسائل الحدود وهي العقوبات المقررة شرعاً وهو الأمر الذي يتعداها ليشمل كل عقوبة سواء كانت حدّية أو تعزيرية بحيث تكون قاعدة جنائية ثابتة وملزمة للقاضي بأن يصطحب البراءة الأصلية وهو يفرز أدلة الاتهام بحيث لا ينقل المتهم من (يقين) البراءة إلى (شك) الإدانة إلا بدليل لا يخالجه ريبة وان يطرح أي دليل أثير حوله الشك تحقيقا للقاعدة الأصولية العظيمة (الدليل إذا تطرق له الاحتمال؛ سقط به الاستدلال) وتفسير الأدلة دائماً يكون لصالح المتهم لأنه ببساطة لازال يحتفظ بالبراءة كيقين لا يمكن أن يزول بالشك.

إلا انه قد صدر من المحكمة العليا القرار رقم (٢١/م) في (٢٨/٤/١٤٣٦) والذي أعتقد أنه لا يتواءم وتلك القاعدة الشرعية حيث صدر القرار بسبب استفسارات واردة إلى لجنة العفو في إمارة منطقة الرياض (حيال ما تتضمنه الأحكام الشرعية وذلك بتوجيه التهمة أو الشبهة القوية في بعض القضايا وعدم ثبوت الإدانة عليهم) وجاء قرار المحكمة العليا بعد (دراسة ما قرره العلماء في تعزير المتهم للشبهة والقرائن المعتبرة) وكان منطوق قرار المحكمة العليا بأن (العقوبة الجزائية التي يشترط إثبات الإدانة لها هي ما كان منصوصاً على عقوبتها شرعاً أو نظاماً وماعدا ذلك فلا يشترط له ثبوت الإدانة) ومعنى هذا القرار انه يجوز تعزير المتهم بالشبهة دون ثبوت الإدانة بأدلة قطعية وهو ما يقلب قاعدة ان الأصل في الإنسان البراءة ويجرّمه بمجرد شبهة وخطورة هذا المبدأ أنه ينطبق على الجرائم التعزيرية غير المقننة التي تمثل غالبية القضايا الجنائية المنظورة في المحاكم الأمر الذي يهدد مستقبل وحرية الكثيرين الذين قد تصدر بحقهم أحكام قضائية بأدلة وقرائن غير موصلة وبالتالي يهدد عدالة المحاكمة.

نتمنى من المحكمة العليا الموقرة إعادة النظر في هذا المبدأ والعدول عنه والتشدد في تطبيق القواعد الحمائية للمتهم وذلك تحقيقاً لمقاصد الشريعة ومن أجل ترسيخ معايير المحاكمة العادلة التي يستحقها كل إنسان في هذه البسيطة.