عمان اليوم-
أكّد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن الأمة الإسلامية اليوم بحاجة إلى دورة جديدة تكون امتدادا لتلك الدورة التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور ومن التشتت إلى الاجتماع ومن البغضاء إلى المودة، ومن التقاتل والتخاذل إلى التعاون على البر والتقوى. حيث كان صلى الله عليه وسلم يحمل همّ إيمان الناس واجتماع كلمتهم، حتى صار الناس يتداعون بالإيمان بدلا من التداعي بالأنساب والأحساب ومفاخر الجاهلية.
وأوضح سماحة المفتي أن الإيمان هو الذي وحّد القلوب وألّف بين الخصوم، وجمع بين الشتيت المتناحر وكان صلى الله عليه وسلم عندما يشم رائحة التعصب يقف موقفا حازما فيقول: «دعوها فإنها منتنة»، حتى كانت تلك النقلة العجيبة من النقيض إلى النقيض في حياة الأمة.. مؤكدا أننا بحاجة إلى أن نراجع فكرنا وعبادتنا لله وعلاقاتنا بعضنا ببعض، وكيف تكون صلة المسلم بالمسلم.. جاء ذلك في سياق حديث سماحته لبرنامج سؤال أهل الذكر الذي حمل عنوان «المولد النبوي يعانق القلب والعقل»:
علاقة البشر ببعضهم علاقة معقدة، وقد يطول عمر الإنسان أو يقصر وهو يعجز عن فهم ذلك التعقيد حتى ليخيّل إليه انه لا يمكن أن يكونوا في صف واحد ما دام الواحد منهم يحمل مؤاخذة لأخيه حتى ولو كانت بريئة، فضلا عن الكراهية والعداوة.. فما الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ألّف بين أشرس متخاصمين في الجزيرة العربية؟
بهذه المناسبة الغالية الرفيعة، مناسبة تجدد ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم أهنئ نفسي وأهنئ الأمة الإسلامية أينما كانت بهذا الخير العظيم داعيا الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه المناسبة مرهما لأمراض هذه الأمة وأن تكون سببا لجمع الكلمة ورأب الصدع وتأليف القلوب وصهر هذه النفوس في بوتقة الإيمان حتى تكون نفوسا متآخية في ذات الله تعالى.
وأضاف: ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل همّ هداية هذه الأمة، حتى انه كان يكاد يهلك نفسه مما يحمله بين جوانحه من هذا الهم، الذي كان يؤرق ليله، ويشغل نهاره، وقد عاتبه الله سبحانه وتعالى شفقة به، ورحمة بمقامه العظيم عليه أفضل الصلاة والسلام، عندما قال له: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)، ويقول سبحانه: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل همّ إيمان الناس واجتماع كلمتهم، لأنه يعلم اذا آمن الناس وقبلوا الحق واستجابوا له، وحنوا له ظهورهم وطأطأوا له رؤوسهم، فإنهم بلا ريب سيتحولون من كل شر إلى كل خير، ومن كل بلاء إلى كل عافية، ومن كل تفرق إلى كل اجتماع، فتتآلف قلوبهم، ويجتمع شملهم، ومع ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم سالكا المسلك الناجح في تأليف هذه القلوب، فقد قضى على كل أسباب النعرات، التي تفرق بين الناس وتشتتهم، قضى على ذلك كله من خلال المبادئ التي جاء بها من عند الله سبحانه وتعالى، تلك المبادئ التي تجعل الناس يقفون جميعا في صف واحد، لا فرق بين قويهم وضعيفهم، ولا بين عربيهم وأعجميهم، ولا بين أبيضهم وأسودهم، ولا بين مالكهم ومملوكهم، ولا بين حاكمهم ومحكومهم.. الكل ينصهرون في بوتقة واحدة، لا ينظرون إلى الأنساب والأحساب، اذ لا قيمة لها عند الله، فما من احد يوصل نسبه بالله سبحانه وتعالى، إنما الصلة بالله من خلال حسن العبودية له، وحسن العبادة وأداء ما فرض وترك ما نهى، لا بالأنساب والأسباب وهذا ما جاء به القرآن الكريم عندما يقول سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لذلك صار الناس يتداعون بالإيمان بدلا من أن يكون التداعي بالأنساب والأحساب أو بالمفاخر الجاهلية التي كانوا يفاخرون بها من قبل.. كل ذلك قضى عليه صلوات الله وسلامه عليه، وجعله في خبر كان.
وأوضح سماحته قائلا: النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يشم أي رائحة تعصب يقف موقفا حازما أمام هؤلاء الذين يصدر منهم ذلك ويقول لهم: (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم.. دعوها فإنها منتنة)، فالإيمان هو الذي وحّد هذه القلوب وهو الذي ألّف بين الخصوم، وهو الذي جمع بين هذا الشتيت المتناحر الذي كانت سيوفه تقطر دما، يفري بعضها جُنوب بعض، ولكن الله سبحانه وتعالى ألف، وقد امتن الله سبحانه وتعالى على النبي بهذه النعمة العظيمة عندما قال: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).. إنها إرادة الله، أراد الله سبحانه أن يهيئ أمرا جللا في هذه الأرض، يحدث انقلابا في الأفكار وانقلابا في الأخلاق وانقلابا في الموازين وانقلابا في التصورات وانقلابا في السلوك والمعاملات حتى تتحول الأمة إلى أمة جديدة كأنما أنشئت نشأة أخرى، بعقول غير عقولها، وأرواحا غير أرواحها وأفكار غير أفكارها وطبائع غير طبائعها، لأن الله سبحانه وتعالى جعل هذه القلوب تتقبل الإيمان، والإيمان يكون التحوّل.
واسترسل سماحته القول: الإيمان له أثر في تحويل الناس من وضع إلى وضع ناقض له، فلا ريب إن رأينا هذا التحول حدث، في عهد الرسول صلوات الله وسلامه عليه، فإذن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استطاع أن يتغلب على هذه العقبات الكأداء التي كانت تقف في سبيله وتحول بينه وبين الوصول إلى مبتغاه استطاع التغلب عليها من خلال هذا الإيمان، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في قمة الإيمان، كان يجسّد أعلى مراتب الإيمان، كيف والله سبحانه وتعالى أكرمه بالنبوة وجعله أبر الناس قلبا، وجعله أرسخ الناس إيمانا، وجعله أفضل الناس أخلاقا، فجميع هذه الصفات التي يفوق بها الناس جميعا استطاع النبي عليه افضل الصلاة والسلام ان يصبر أمام المحن، وان يتجاوز هذه العقبات الكأداء وأن يصل بعون الله تعالى إلى مبتغاه فكانت تلك النقلة العجيبة من النقيض إلى النقيض في حياة الأمة.
بحكم النبوة.. هل كان ذلك التأليف الذي أشرتم إليه إرادة إلهية لا تتكرر لغيره صلى الله عليه وسلم؟
أجاب سماحته قائلا: كل شيء بقضاء وقدر.. نحن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى عندما خلق هذا الكون لم يتخلّ عنه أبدا، وإنما هو سبحانه يصرف كل شيء، فتصريف القلوب إنما كان بإرادته سبحانه وتعالى، ولكن مع ذلك أمرنا أن نسعى إلى الوحدة، وإلى جمع الكلمة، وأمرنا إلى ترقيق مشاعر الناس بترسيخ مبادئ الإيمان في هذه القلوب، فلذلك نحن نؤمن بأننا إن سلكنا هذا المسلك الناجح.. المسلك الخيّر، مسلك الإيمان، مسلك حسن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وأخلصنا لله عز جل فإن بالأخلاق يهوّن كل عظيم، ويسهل كل صعب، وييسر كل عسير.
ذكرتم بأن الإيمان الذي بذل النبي صلى الله عليه وسلم جهودا كبيرة في غرسه في قلوب الناس وتحويل حياة الناس بسببه إلى وحدة كبيرة.. ما الذي يجعل هذا الإيمان باقيا لا يمكن ان يخترق او يضعف؟ هل هناك أشياء تُطالب الأمة بفعلها حتى تستبقي هذا الإيمان الذي يحقق وحدتها؟
الجواب: نعم هناك أسباب تقوي الإيمان في النفوس منها النظر في ملكوت السموات والأرض والشعور بأن الله سبحانه وتعالى منه المبدأ وإليه الرجعى وله الحمد في الآخرة والأولى، وانه له على عباده أن يحسنوا عبادته، وان يحسنوا عبوديتهم له، وان يقيموا موازين القسط التي انزلها فيما بينهم وألاّ يحتكموا إلا إلى هذه الموازين التي انزلها سبحانه وتعالى، فعندما يرسخ الإيمان في قلوب الناس إلى هذا الحد فإنه لابد من أن يُحافظ على هذا الإيمان ويظل الإيمان ثابتا يتحدى كل الزعازع التي تلم به، وكذلك تدبر ما انزل سبحانه في كتابه، والله سبحانه جعل بين أيدينا كتابين.. كتابا منشورا وهو هذا الكون الذي نراه بأبصارنا، ونحسه بمشاعرنا، وهناك كتاب مسطور، وهو القرآن الكريم، الذي جاء بالعجب العجاب، وهو الترجمة الصادقة لسنن هذا الكون ونواميسه، وهو المرآة الصافية التي تعكس حقائق الوجود، سواء الحقائق المادية او الحقائق المعنوية.. هذا القرآن الكريم ان تدبرناه مع التأمل في ملكوت الله سبحانه وتعالى فإن القلوب لابد من أن تخضع والنفوس لابد من أن تطمئن والإيمان لابد من أن يرسخ والصلة بالله تعالى تظل قوية، ويظل المؤمن دائما حريصا على أن يؤثر رضا الله على هوى نفسه وألا يجعل في قلبه أي أثر من آثار الهوى يتغلب عليه، فنحن بحاجة إلى أن نتربى على ما ربى عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان مربيا، حسن التربية للناس، فالله سبحانه وتعالى منّ علينا بأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليعلمنا من جهالة فقد كنا أميين، امتن على الأميين بهذه النعمة العظيمة، ولكن مع ذلك كان امتنانه سبحانه وتعالى بما يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم من تزكية هذه النفوس مقدما على امتنانه بما كان يقوم من تعليم أصحابها، فقد قال الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فبدأ بالتزكية قبل تعليم الكتاب والحكمة، وكذلك قال الله سبحانه وتعالى في امتنانه على العرب الأميين بهذه النعمة العظيمة: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، ويقول سبحانه وتعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)، فالتزكية هي قرينة التعليم بل هي مقدمة على التعليم، يعني أن التزكية يجب أن تكون هي الهدف للداعي يدعو إلى التزكية ويقوم بالتعليم في نفس الوقت.
برنارد شو وهو فيلسوف غربي قال: لو أن رجلا كمثل محمد تولى زعامة العالم لنجح في حل مشكلاته بسهولة تامة.. والعالم في عهد برنارد شو كان اكثر تعقيدا من عالمنا اليوم، لأن الناس كانت تقترب في تلك الأيام من الحروب العالمية، ونحن نعلم أن أمة النبي صلى الله عليه وسلم هي امتداد له لكنها اليوم هي التي تستدعي العالم الآخر لحل مشكلاتها.. هل لا يزال لدى الأمة فرصة لكي تطور من نفسها وتحل مشكلات العالم؟ وماذا تقترحون عليها؟
أجاب سماحته: يقال: «فاقد الشيء لا يعطيه».. الأمة اليوم بحاجة إلى تبني نفسها قبل أن تسعى إلى بناء خراب غيرها، والأمة بحاجة إلى أن ترجع إلى هذا الخراب العظيم الذي وقع فيها وتقوم ببنائه من جديد قبل أن تفكر في بناء خراب العالم الآخر.. الأمة بحاجة إلى أن تراجع نفسها من حيث الإيمان.. هل هي حقا مؤمنة بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان ليس دعوى تقال، وإنما الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، وصدقه الواقع، لابد من أن يكون الواقع يجسّد هذا الإيمان، كما كان ذلك في عهود السلف الصالح، في عهد المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وأضاف سماحته: لننظر إلى ما وصف الله سبحانه به المؤمنين في كتابه الكريم، عندما قال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) فهل نحن الآن مؤمنون حقا؟.. هل وصلنا إلى هذه المرتبة؟ عندما يُذكر الله سبحانه وتعالى تُوجل قلوبنا ونشعر بهيبة الله سبحانه وتعالى تتغلغل في أعماق نفوسنا حتى تردعنا عن الباطل، كذلك لننظر في وصف الله سبحان وتعالى به المؤمنين في سورة التوبة عندما قال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).. وقد صفهم الله سبحانه تعالى بتسع صفات.. هل هذه الصفات توجد الآن فينا مجتمعة.. وهي: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ).. فأولا ننظر إلى الصفة الأولى وهي كافية لو تحققت بحيث نكون توابين سريعين إلى التوبة، فالجنة بشر بها كل أواب، كل من كان سريع الأوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وهؤلاء هم الذي بشروا بالمغفرة، بل حصرت المغفرة في هذا الصنف من الناس..( إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا)، والأوابون هم جمع أواب، والأواب من كان كثير الأوبة، على وزن «فعال» يدل على الكثرة، يعني سرعان ما يعود الإنسان عندما يقع في هفوة او زلة او يجنح جنحة سرعان ما يعود إلى الله سبحانه وتعالى بالتوبة والاستغفار والاعتصام بحبله المتين، والتمسك بما انزل من الذكر الحكيم واتباع صراطه المستقيم.
وأوضح سماحته أن الحفظ لحدود الله الذي ورد في الآية الكريمة معناه ألا يفرط الإنسان في أي شيء من أوامر الله تعالى أو نواهيه بحيث لا يقدم على ما نهى عنه ولا يحجم عما أمر به.. فهكذا يجب علينا أن نكون.
وأشار إلى أنه بالنظر إلى واقع الأمة الآن، نرى كيف يسفك بعضها دماء بعض، وكيف يجترئ بعضها إلى أكل مال بعض، كيف يستخف بعضها ببعض.. (فالمسلم أخو المسلم لا يحقره ولا يقتله ولا يخذله بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، فأين هذا الواقع اليوم؟ وأين هذه الأدبيات من واقع الأمة الإسلامية اليوم.. فأين الأمة مما وصفها به النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».. فهل المؤمنون الآن كذلك؟! موضحا سماحته اننا نحن بحاجة إلى أن نراجع حياتنا كلها.. إن نراجع فكرنا وان نراجع عبادتنا لله سبحانه وتعالى، وان نراجع أحوالنا وان نراجع أيضا كيف هي علاقاتنا بعضنا ببعض، وكيف تكون صلة المسلم بالمسلم، فالعلاقة اليوم بين المسلم والمسلم علاقة خصام، علاقة تنافس غير شريف، تنافس في مجالات الشر، والعياذ بالله، فلذلك نحن بحاجة إلى دورة جديدة تكون امتدادا لتلك الدورة التي قادها الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرج بها الناس من الظلمات إلى النور ومن التشتت إلى الاجتماع ومن البغضاء إلى المودة، ومن التقاتل والتخاذل إلى التعاون على البر والتقوى، بحاجة إلى ما يردم الهوة بين الناس، كما هدمت هذه الهوة بين الأوس والخزرج فكانوا جميعا متعاونين على الخير، واندمجوا مع اخوانهم المهاجرين فالتقت قلوبهم على حب الله تعالى ورسوله، وعلى التضحية من أجل هذا الدين الحنيف ورفع مناره بين العالمين.