تواصل » صحف ومجلات

الاحتراق أمام أنابيب الإطفاء

في 2015/12/26

هبة زهير قاضي- مكة نيوز السعودية-

لن أنسى ذلك اليوم في بداية حياتي المهنية كمعلمة في مدرسة خاصة. حين بدأ المطر في الانهمار مدرارا على ذلك المبنى القديم، وصوت الرياح المرافقة له تكاد تهز أرجاءه. وفجأة بدأت المياه في التسرب من كل مكان وخاصة الساحة المغلقة التي غمرتها المياه تماما ومنسوبها يرتفع أكثر وأكثر. أتذكر صراخ الفتيات الصغيرات اللاتي أرعبهن صوت الرعد والبرق، ولكن أرعبهن أكثر توتر المعلمات والإداريات وهن يتراكضن متخبطات كل تجتهد في فعل ما تعتقد أنه صحيح مع غياب تام لتطبيق خطة الطوارئ التي تدربنا عليها شكليا مرة أو مرتين. وأتذكر ركضي باتجاه مبنى المرحلة الابتدائية في محاولة لإخراج ابنة صديقتي المصابة باستسقاء في الدماغ والتي في حال تعرضها لأي ارتطام ولو بسيط فإن ذلك كفيل بأن يودي بحياتها، فأي خطة سألتزم بها في هذه الحالة.

عملت بعدها في بنك، وكان من أوائل الأشياء التي وقعت عليها كمسؤولة هي خطة الطوارئ. وأتذكر أنني سألت أحدا في الإدارة الرئيسية متى سنتدرب على خطة الطوارئ، ليرد علي بأنه لا حاجة لذلك وأن علي أن أجمع الموظفات وأراجع الخطة المكتوبة في الملف. لا أنكر أن النية كانت موجودة، وربما فعلتها في أحد اجتماعاتنا كرفع عتب، حقا لا أتذكر أنني أوليت الموضوع أهمية، فمع ضغط العمل والانجراف فيما تحت أيدينا، كان من الصعب التركيز على أهمية السلامة من خطر محتمل الحدوث. حتى ضرب جرس الإنذار في أحد الأيام وبدأنا مع العميلات في الجري والتخبط في بعضنا، لنكتشف فيما بعد أن العاملة نسيت قطعة خبز في الفرن وتسرب الدخان لجهاز كشف الحريق فدوى منذرا.

تدافعت هذه الذكريات إلى رأسي بعد فاجعتنا في حريق مستشفى جازان الذي أودى بكل هذه الأرواح وأزهق كل هذه الأنفس. لنقف بعدها مع أنفسنا وقفة ونتساءل، ترى كم من الأعمال تعطل، وكم من المصالح توقف، وكم من الأموال أهدر، على اشتراطات الدفاع المدني من بناء المخارج التي لم يفهم أحد أهمية الخروج منها، وتوفير المستلزمات والأدوات التي لم يتدرب أحد على استخدامها؟ لنكتشف للأسف واقع أن ثقافة الأمن والسلامة مغيبة في حياتنا. فنحن كنا وما زلنا نتعامل بعقلية (الله يلطف) و(الله لا يقدر) و(الشر بره وبعيد) فإذا ما حصل المقدر تخبطنا وجرينا وزدنا الأوضاع تأزما.

لذا حان الوقت أيها المسؤولون لنشر الوعي وتعزيز المفاهيم، قبل صياغة الأنظمة وفرض الضوابط. فكم من نار صغيرة صارت حريقا وأنبوبة الإطفاء بجانبها. وكم من شخص قفز من النافذة ومخرج الطوارئ أمامه.