تواصل » صحف ومجلات

لماذا العجز؟

في 2015/12/30

مكة نيوز السعودية-

حدد خبراء واقتصاديون 10 عوامل قادت إلى عجز الميزانية، وشكلت في الوقت نفسه ثوابت لم تتنازل عنها السعودية رغم الظروف الاقتصادية العالمية التي خلقها تراجع أسعار النفط، يأتي على رأسها المحافظة على مستوى رفاه المواطن وحماية مصادر معيشته من التأثر بأي عوامل خارجية، إضافة إلى استمرار المشاريع التنموية الرئيسية وعدم الإخلال بمخصصات خطط التنمية الحالية والمستقبلية والالتزام بالتعهدات الدولية والمحافظة على نمو الاقتصاد السعودي وتأمينه ضد الركود، وفي الوقت نفسه عدم استنزاف الاحتياطات النقدية، حيث تعاملت بحكمة بالتنويع بين السحب من الاحتياطي والاقتراض من البنوك ذات الملاءة مستفيدة من انخفاض سعر الفائدة.

وأكدوا في حديثهم لـ»مكة» أن الاقتصاد السعودي يملك في الوقت نفسه آليات يمكن أن تنهي العجز في فترة وجيزة لولا أنها تتعارض مع السياسات الراسخة في الدعم والتنمية.

استمرار المشاريع تحت الإنشاء:

يؤكد المستشار المالي والاقتصادي محمد العمرو أن الاكتشاف المبكر للعجز يساعد متخذ القرار ويتيح له خيارات متعددة، كما يتيح له الفرصة لمراجعة وإعادة ترتيب الأولويات ووضع مؤشر للتحكم بالمصاريف، وإيجاد بدائل أخرى تغني عن القروض.

وأشار إلى أن وجود العديد من المشاريع تحت التنفيذ يتطلب استمرار الإنفاق وبوتيرة ثابتة لعدم توقفها أو تعطلها.

وقال العمرو إن اقتصار الدعم الحكومي على المشاريع التنموية الحيوية، سيخفض نسبة التضخم إلى أدنى حد ويحفز شركات المقاولات والدعم اللوجستي والتموين للعمل والاستثمار.

المحافظة على معدلات نمو الاقتصاد:

يقول المستشار المالي الدكتور تيسير الخنيزي إن المملكة قادرة على المحافظة على معدلات نمو مقبولة بالاعتماد على آليات الاقتصاد المختلفة ومنها العنصر البشري الذي كان الشغل الشاغل للدولة في مراحل سابقة، وقد يسهم التخلص من مصروفات إضافية ضخمة ليست ذات قيمة مضافة لدى بعض الجهات الحكومية في تخليص الاقتصاد الوطني من أعباء كبيرة وتوفير سيولة، وفي كل الأحوال، فإن تنويع مصادر الدخل أمر مهم في هذه المرحلة خاصة بالنسبة للمنتجات التي تحمل قيما مضافة وميزات نسبية مثل الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية.

مكانة وتصنيف اقتصاد المملكة عالميا:

يشير المحلل الاستراتيجي والمالي يوسف قسنطيني إلى أن انخفاض أسعار النفط ليس سلبيا دائما، خاصة أن المتأثر به ليس السعودية فقط، بل دول كثيرة في العالم، مبينا أن السعودية قادرة على تحمل أعباء الانخفاض أكثر من غيرها.

وقال إن المحافظة على وتيرة إنفاق مرتفعة رغم التراجع العالمي يدعم مكانة المملكة في الخارج ويحافظ على تصنيف اقتصادها.

ولفت إلى أنه بجانب المعروض الكبير من النفط في الأسواق العالمية والظروف الجيوسياسية غير المستقرة، فإن الارتفاع الملحوظ للدولار أمام العملات الأخرى يؤثر سلبا على الأسعار، لكن الوضع على المستوى المتوسط والبعيد هو في صالح عودة الأسعار إلى الارتفاع، حيث أوقفت مئات مشاريع التنقيب عن النفط الصخري والأحفوري وتراجعت أعداد الحفارات العاملة في الولايات المتحدة وحدها من 1609 حفارات في 2014 إلى 545 حفارا فقط في الربع الرابع من 2015، مما يدل على توقف مشاريع التنقيب وتسريح العمالة العاملة في التنقيب والتي يصعب عودتها للعمل من جديد.

ورأى أن خسائر مشاريع التنقيب عن النفط الصخري والأحفوري ستسهم في رفع أسعار النفط مجددا ولن تتراجع حتى بعد استئناف إيران ضخ نفطها بواقع مليون برميل بعد رفع الحظر عنها.

المحافظة على معدلات سيولة مرتفعة:

يرى المستشار المالي الدكتور تيسير الخنيزي أن الدولة

ما زال لديها احتياطي يقدر بـ2.06 تريليون ريال، وأنها تعاملت مع وجود العجز حتى قبل الإعلان عنه بفترة طويلة، مبينا أن المحافظة على معدلات سيولة مرتفعة يتطلب في بعض الأحيان الاقتراض وهو ما يسهم في زيادة العجز لكنه ينعكس إيجابا على الاقتصاد، حيث إن شح السيولة له تداعيات سلبية أكثر من وجود العجز.

وقال إن حساب الميزانيات دائما ما يكون متحفظا ومبنيا على أقل الأسعار، واليوم المطلوب إلى جانب التعامل مع العجز كتحصيل حاصل ومعطى جديد، يجب أن نواجه استدامة هذا العجز لسنوات مقبلة.

استمرار عجلة الاقتصاد وتجنب الركود:

يؤكد المستشار المالي والاقتصادي محمد العمرو أنه لا خوف على مستقبل الاقتصاد، مبينا أن زيادة الإنفاق، ولو على حساب ارتفاع العجز يسهم في استمرار دوران عجلة الاقتصاد وتجنب دخوله في مرحلة الركود.

وقال إن السعودية قادرة على قيادة الأسعار من جديد للارتفاع، ولكنها تحافظ على الوضع الحالي للأسعار لأسباب سياسية مرتبطة بأمن السعودية والتحديات الخارجية.

وأضاف أن الاقتراض الداخلي الذي قامت به السعودية لا يشكل 15 - 20% من حجم الناتج المحلي، بينما تزيد مديونية بعض الدول الأوروبية عن ناتجها المحلي، مشيرا إلى أن السعودية قادرة على تحمل الوضع الحالي لفترة أطول، وأنها قادرة على تحمل العجز مع إعادة هيكلة بعض القطاعات.

عدم الإخلال بمخصصات خطط التنمية:

يقول المحلل المالي عبدالإله العبيد إن ترشيد الصرف سيكون سمة المرحلة المقبلة في غير المشاريع التنموية التي التزمت بها الدولة في الخطتين الخمسيتين التاسعة والعاشرة، لتكون أولوية الصرف على خطط التنمية وعدم الإخلال بحجم المخصصات التي تتطلبها.

ولفت إلى أنه برغم نظرة البعض للعجز على أنه أمر سلبي، إلا أنه يمكن أن نعتبره فرصة لإعادة تنظيم الاقتصاد الوطني، وننظر إلى الإيجابيات التي يمكن أن تحدث نتيجة تحرير الاقتصاد من بعض الالتزامات غير الضرورية، إلى جانب انخفاض التضخم والانضباط في الصرف، وما يهمنا أن نعرفه هو أن الدولة آلت على نفسها أن لا يتأثر المواطن في رفاهيته، ولا يتأثر التعليم والتدريب اللذان يمثلان ركيزة أساسية في جميع خطط التنمية لارتباطهما بتطوير الموارد البشرية.

حماية معيشة المواطن وعدم تأثرها بالأزمات:

يشير المحلل المالي محمد الضحيان إلى أن الدولة عملت على حماية معيشة المواطن وتجنيبه الآثار السلبية للأزمات الخارجية، مشيرا في ذات الوقت أن لديها فرصة لتخفيف الدعم عن بعض المنتجات كالوقود للمصانع والشركات، وزيادة الضريبة على الأموال التي تحول للخارج ولا يستفيد منها الاقتصاد الوطني.

وقال إن الخيارات المتاحة للدولة في المرحلة المقبلة متعددة، فالإمكانات والموارد الاحتياطية ما زالت موجودة، والعجز مهما كان قدره لن يتسبب في تسييل أصول أو مدخرات رئيسية.

ودعا إلى إعادة النظر في بطاقات الإعانة التي تصل إلى أشخاص وجهات غير مستحقة، للتخفيف من التكاليف التي تتحملها الدولة فهناك 4.5 ملايين بطاقة إعانة تصدر سنويا، كثير منها يصل لغير المستحقين، مع إمكانية التعرف على غير المستحقين من خلال النظام الآلي، وكذلك لا بد من إعادة النظر في نسبة السعودة المطبقة على بعض القطاعات مثل المقاولات التي لا تزيد عن 5% وهي متدنية، وفرضها لجوء مختلف الجهات في ترسية المشاريع على السعر الأقل.

وقال نحتاج مع الهيكلة المرتقبة للاقتصاد إلى التخلي عن هذه السياسة التي لم تنتج سوى مشاريع ضعيفة ومهلهلة. وأضاف أنني أجد في العجز فرصة لإعادة تحفيز آليات جديدة وإعادة هيكلة الاقتصاد بما يؤدي إلى سد كثير من الفراغات التي تتسرب منها الثروة الوطنية.

دعم القطاع الخاص بإطلاق مشاريع جديدة:

ويقول محلل الأسواق الخليجية أحمد السامرائي إن أسعار النفط تأثرت بها كل الدول المنتجة بنسب متفاوتة، ولكن السياسة الحكيمة التي اتبعتها السعودية في توفير احتياطات كان لها دور مهم في إعادة التوازن للاقتصاد الوطني، ومن بينها إطلاق مشاريع جديدة وإشراك القطاع الخاص في تنفيذها وهو ما يدعم استمرارية الشركات رغم الأزمات الخارجية.

ولفت إلى أن الاحتياطي يعد لأوقات الأزمات والمصاعب ولا مشكلة في الاستفادة منه الآن، ورغم ذلك فإن السعودية لم تلجا لكامل الاحتياطي، بل استفادت من انخفاض نسبة الفائدة في الوقت الحاضر في الاقتراض من عدة بنوك سعودية لديها ملاءة مالية، وكان للسياسة المتحفظة في حساب الميزانيات والتي اتبعتها السعودية دور مهم في نجاح الاستعداد لمختلف الظروف مبكرا، وهناك توقعات بتحسن أسعار النفط في المدى المتوسط، والسعودية قادرة على السعر الحالي للبرميل لفترة أطول من دول أخرى بعضها متقدم.

مواجهة الدورات الاقتصادية وتبعاتها:

يوضح محلل الأسواق الخليجية أحمد السامرائي أن الاقتصادات العالمية تمر بدورات متتالية تتقلب فيها بين الارتفاع والانخفاض، إلا أن الجهات المالية في السعودية عادة ما تعمل على عكس الدورات الاقتصادية عبر ضخ سيولة والتوسع في المشاريع في أوقات التراجع للحفاظ على وتيرة الاقتصاد بشكل عام.

ويشدد السامرائي على أن العجز في ميزانيات بعض الدول الخليجية ومنها السعودية هو عجز غير حقيقي، فالوظائف مثلا موجودة ولكن الشباب والشابات يبحثون عن العمل السهل، كما أن العجز يمكن أن يزول خلال فترة محدودة لو فرضت ضرائب كما هو الحال بالولايات المتحدة والدول الأوروبية والآسيوية، لكن السعودية قدمت رفاهية المواطن على كل الاعتبارات وتحملت الدولة أعباء كبيرة في دعم كثير من السلع والخدمات في سبيل ذلك.

تغطية الالتزامات الدولية للمملكة:

ويلفت المستشار المالي والاقتصادي محمد العمرو إلى أن الوضعين الداخلي والخارجي للسعودية مرتبطان ببعض، وأن الالتزام الدولي للسعودية يأتي من موقعها كدولة محورية مؤثرة في الأمن الإقليمي، وأيضا كدولة لها ثقل على الصعيد الدولي فهي ضمن نادي العشرين الكبار، كما أنها تتمتع بموثوقية في سوق النفط، إذ أكدت في أكثر من مناسبة على لسان وزير نفطها أنها ملتزمة باستقرار السوق النفطية العالمية.

وقال: يجب أن يفهم شركائنا في المنطقة أن السعودية ملتزمة بمواقفها، لكن طريقة وحجم الدعم قد تتأثر بما يتوافق أكثر مع معطيات الاقتصاد ونسب العجز المتوقعة للسنوات المقبلة من جهة ومع متغيرات الأحداث الجيوسياسية من جهة أخرى.