نواف عبيد- الحياة السعودية-
تُستهدف صورة المملكة وسمعتها في الخارج بوابلٍ من السهام منذ أحداث 11 أيلول (سبتمبر) المؤسفة إلى يومنا هذا. فتارةً يزعمون زيفاً أن المملكة تدعم الإرهاب، وتارةً أخرى يهاجمونها بسلسلة من الادّعاءات الباطلة عن قضايا حقوق الإنسان، أو بعض الإصلاحات السياسية، أو نفوذ المؤسسات الدينية فيها، ليدينوا بذلك المملكة بمجموعة من الاتهامات الزائفة التي لا تمتّ إلى الواقع بصلة.
وتنجم بعض هذه المغالطات والمعلومات الخاطئة عن أجندات متعمّدة، معظمها ناجم عن جهل وسوء فهم لدى من يكتبون عن المملكة من الأجانب، فهم يحلّلون سياساتها وهم بعيدون كل البعد من فهم تقاليدها، وطبيعة مجتمعها، وسياساتها المحلية، وشؤونها الداخلية. فمعظم ما يُنشر ويُكتب عن المملكة في الغرب يكتبه أجانب لم يزوروا المملكة قطّ، وليس لديهم سوى استيعاب سطحي بعض الشيء عن شؤون المملكة.
إننا لا نمانع أن يكتب عن تاريخنا وسياستنا واقتصادنا من يريد فِهْمنا، بل نشجّع مثل هذه المبادرات، ونؤكّد إيماننا بأهمية التبادل الثقافي والحضاري، وضرورة فتح أبوابنا ومجتمعاتنا للإعلام الخارجي والخبراء الأجانب المهتمين بالشرق الأوسط، لكن يجب ألا يُلهينا ذلك عن كوادرنا المحليين أصحاب الخبرات، من مفكرين، وكتاب أصحاب أقلام وطنية نزيهة، فضلاً عن المواهب اليافعة من أبنائنا المبتعثين والمبتعثات إلى أعرق الجامعات العالمية من أكاديميين، ومحللين، وعلماء سياسة، وصحافيين، هم أولى وأكفأ من يحلّل الشأن السعودي والخليجي، بل العربي عامةً. للأسف، لا يعكس واقعنا ذلك أبداً، فكوادرنا المحلية تستهلك جلّ طاقاتها في حوارٍ لا نهاية له، تخاطب فيه جماهيرنا المحلية، كما أن هناك مفكّرين وكتّاباً يصبّون جلّ خبراتهم الممزوجة باستيائهم وغضبهم من حال الأمة وأزماتها المتتالية في رسائل محلية لا يتجاوز صداها الأفق العربي، أو حتى حدود المملكة أحياناً. لقد أشغلت بيئة الوسط الفكري السعودي نفسها اليوم بلعبة التشهير، وعالم الإشاعات، واصطناع الألقاب بإشاعة أن فلاناً ليبرالي، أو إخواني، أو صوفي، أو حتى أصولي، وهو ما يشغل الناس عن كونه سعودياً يمثّل الوطن، ويدين بالولاء له، بينما البيئة في الأوساط الفكرية العالمية مشحونة بطاقات سلبية تصول وتجول ضد المملكة.
المعركة اليوم ليست مجرّد قضية علاقات عامة نوظف لأجل مواجهتها شركات علاقات عامة أجنبية من لندن أو واشنطن، وهي شركات مرموقة بالفعل عالمياً، لكنها تفقد حسّ الواقع المحلي، وليس لديها أدنى فكرة عن الشؤون السعودية، فضلاً عن غياب عنصري الوطنية والولاء لديها، فكيف لها أن تدرك حلول مشكلة المملكة الإعلامية؟
لقد أصبحت المعركة اليوم بين المملكة ومن يمس أمنها الوطني، ويهدّد مصالحها ومبادئها الإسلامية السامية، بينما يزعم الإعلام الغربي ريبةً أن المملكة هي من اختلقت «داعش»، وأنها تدعم الإرهاب، وتحتضن التطرّف، وغير ذلك من ادّعاءات باطلة لا صلة لها بالواقع، اعتادت الأبواق الإعلامية سردها في غياب شبه كلّي لمن يمثّل الوجه الآخر من القضية، بسبب غياب وجهات نظر سعودية وطنية تواجه هذه الأمواج العاتية.
هذا الكلام موجّه بشكل رئيس إلى عالم الديبلوماسية غير الرسمية من خلال منابر مراكز البحوث والجامعات وعبر أثير القنوات الإعلامية وأعمدة الصحف الرائدة عالمياً، لينقلوا إلى العالم وجهة نظرهم بوصفهم خبراء سعوديين في مجالات: السياسة، والاقتصاد، والأمن، والدفاع، ليقرّبوا إلى العالم الغربي صورة المملكة بحقائقها الملموسة، لا تلك الصورة المبنية على أوهام شخص يدّعي أنه لورانس العرب في العصر الحديث.
لم نر - للأسف - رداً صارماً كما ينبغي يقف في وجه هذه الادعاءات الباطلة التي تطول المملكة، ولم نر سوى نزر قليل من الإسهامات السعودية في وسط هذا الحديث المنتشر عن المملكة من جميع الناس ما عدا أبناء المملكة، فلم نرَ كتّاباً أو محلّلين سعوديين يتصدّون لهذه الهجمات الإعلامية بأقلامهم وكلامهم الحرّ في الإعلام الغربي أو الصحف العالمية المرموقة التي تشكّل - بلا شك - الرأي العام الغربي والعالمي، وليس ما نراه اليوم سوى ردود سعودية شرسة ومشادات أسطورية حول هذه الاتهامات والادعاءات الباطلة، تزداد علواً في أوساطنا وصحفنا العربية المحلية فقط، ولا تتجاوزها إلى الخارج.
إن نتائج غياب هذا الدور المحوري قاسية ومؤلمة، فالدور الذي كان يفترض أن يشكل نواة سياستنا الخارجية، وتعاملنا مع الإعلام العالمي، بات مهملاً ومهمّشاً، ومن غير أية استراتيجية أو توجّه حقيقي. والأعظم من ذلك أن لدى الغربي اليوم، أميركياً كان أم أوروبياً، قناعةً بأن المملكة هي من تقف وراء «داعش»، وأنها هي الداعم الأول للإرهاب، والحاضنة الأم للتطرف الآيديولوجي. ولا شكّ في أن التأثير في الرأي العام الغربي يهمّنا كثيراً، لأن الحكومات الغربية ينتخبها عامة الناس ممن يستقون آراءهم مما تنشره الصحف والمصادر الإعلامية الغربية لديهم.
ربما تكون المعركة اليوم أصعب، لأننا تأخرنا عن مواكبة ركب التحديات في هذا الشأن، لكن الأمر ليس عصياً أو معجزاً، وإنما علينا الإسراع إلى إعادة حلقات التواصل بين النخب السعودية الوطنية والأوساط الإعلامية العالمية، ليخوضوا في النقاش والحوار، ويذودوا عن مصالح المملكة في الخارج. أما إذا واصلت المملكة نهج تعاملها مع الإعلام الخارجي من دون تغيير، فلن تستطيع التأثير في الرأي العام الغربي لها، الذي أدى إلى آثار سلبية على العلاقات التاريخية بين الغرب والمملكة.