تواصل » صحف ومجلات

ميزانية 2016 للمملكة ..تقليص الدعم يكشف عورات الاقتصاد الريعي النفطي والمواطن أول المتضررين

في 2015/12/30

شؤون خليجية-

تكشف المؤشرات الأولية لميزانية 2016 عن أزمة هيكلية في الاقتصاد السعودي لاعتماده على سلعة واحدة هي النفط، كاقتصاد ريعي وليس إنتاجي، وكشف انخفاض أسعار النفط عن عمق الأزمة القابلة للتصعيد، وعن هشاشة الخطط الإنتاجية والتخطيط الاقتصادي على المدى المتوسط والبعيد، واستحواذ الإنفاق الأمني والعسكري نصيب الأسد، وتقليص الدعم على حساب المواطن.

أكدت الميزانية  أن عدم خفض الإنتاج بسلاح النفط ضد إيران وروسيا ورغم نجاحه ولو جزئيا ومرحليا صار سلاحا ذو حدين يؤثر سلبا على الرياض وحياة المواطنين بشكل مباشر، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الدولة على الثبات في توظيفه.

سلاح النفط ذو حدين

اعتمدت ميزانية العام المالي القادم في ظل الانخفاض الشديد لأسعار البترول، حيث تراجع متوسط هذه الأسعار لعام 2015 بما يزيد على 45 بالمئة عن معدلها عام 2014، وشهدت الأسعار في الأسابيع الأخيرة من هذا العام أدنى مستوياتها منذ أحد عشر عاماً.

أعلنت السعودية أمس الاثنين عن موازنتها العامة للدولة لعام 2016 بعجز قدره 326.2 مليار ريال، ما يعادل حوالي 87 مليار دولار.

وتتوقع الحكومة السعودية أن تبلغ الإيرادات 513.8 مليار ريال (حوالي 137 مليار دولار)، مقابل نفقات تصل إلى 840 مليار ريال (حوالي 224 مليار دولار)، ما يعني عجزا مقداره 326.2 مليار ريال.

تغطية العجز

تعتزم السعودية تغطية العجز عبر الاقتراض في السوق الداخلية والخارجية، حيث قالت وزارة المالية السعودية: "إن تمويل العجر سيجري وفق خطة تراعي أفضل خيارات التمويل المتاحة، ومنها الاقتراض المحلي والخارجي، وبما لا يؤثر سلبا على السيولة لدى القطاع المصرفي".

خصصت السعودية 183 مليار ريال لدعم الميزانية في 2016 وذلك بهدف مواجهة أي نقص محتمل في الإيرادات جراء تقلبات أسعار النفط العالمية، ولم يتضح بعد تداعيات تقليص الدعم على النشاط الاقتصادي وأسعار السلع ومعدلات التضخم وحجم الدين الداخلي وبأي نسب، إلا أن المؤشرات تؤكد أنها ستكون بالسلب، إلا أن الملك سلمان أشار إلى أنه سيتم استهداف تطوير الخدمات ورفع كفاءة الإنفاق العام وتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد مع مراعاة الآثار السلبية على المواطنين.

الرفاهية الهشة

تبرز تساؤلات عديدة أثارتها الميزانية الجديدة منها لماذا فشلت دول الخليج ومنها السعودية في تحقيق رفاهية حقيقية مستدامة للمواطن بدلا من الرفاهية الهشة التي تراجعت مع انخفاض الإيرادت النفطية، ولماذا عجزت الاحتياطيات السيادية الكبيرة عن تغطية العجز، وأين خطط تنويع الإنتاج ومصادره، وكيف أقدمت الدولة على تقليص ملف الدعم وتبعاته بهذه السرعة وهل كانت بحاجة لخطط متدرجة وبديلة؟

أما الإنفاق العسكري في حال اتجاهه للزيادة أو الثبات فهل سيكون على حساب توفير الخدمات الأساسية للمواطنين واحتياجاتهم المعيشية الأولية، وهل سيتم استثناء الفقراء ومحدودي الدخل ومراعاة ظروفهم عند تطبيق بعض قرارات تقليص الدعم والتقشف.

طبقت الحكومة حزمة من الإجراءات التقشفية الصادمة برغم تأكيد خبراء طيلة الأسابيع الماضية قدرة الرياض على تحمل انهيار أسعار النفط بالسحب من الاحتياطيات السيادية والفوائض النفطية، إلا أنها حملت المواطن العادي أعباء إضافية بتقليص دعم احتياجات حيوية، ليس فقط في ذاتها بل إنها سترفع أسعار السلع المنقولة والمصنعة أيضا.

 

صدمة للمواطن والشركات..تقليص الدعم

أعلنت السعودية خططا لتقليل العجز غير المسبوق في الموازنة العامة وإصلاحات في دعم الطاقة بالإضافة إلى توجه لزيادة الإيرادات من الضرائب والخصخصة، وقرر مجلس الوزراء أمس الاثنين برئاسة الملك سلمان تعديل أسعار منتجات الطاقة وتعرفة استهلاك الكهرباء وتسعيرة بيع المياه، ورفع أسعار البنزين، وقرر أيضا تعديل أسعار الوقود والمياه بنسب متفاوتة ومن شأن ذلك أن يحدث آثارا متفاوتة على المواطنين والعديد من الشركات المدرجة بالسوق المالي السعودي وخصوصا على الشركات الصناعية التي يشكل الغاز والوقود والكهرباء جزءا مهما من تكاليف الإنتاج لديها.

يأتي ذلك وسط توقعات بالإلغاء التدريجي للدعم وفق نهج بطيء وحذر للغاية من قبل الحكومة السعودية، وأكد ذلك إعلان وزارة المالية السعودية في بيان صدور ميزانية المملكة قرارها تقييم الدعم الحكومي، ويشمل ذلك تعديل منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها.

وذكرت أن هذا القرار يراعى فيه التدرج في التنفيذ خلال الخمسة أعوام القادمة، بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد، والتقليل من الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتنافسية قطاع الأعمال.

وتضمنت الميزانية مراجعة مستويات الرسوم والغرامات الحالية، واستحداث رسوم جديدة، واستكمال الترتيبات اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة إضافة إلى تطبيق رسوم إضافية على المشروبات الغازية والسلع الضارة كالتبغ ونحوها.

مرونة مع تراجعات أسعار النفط المحتملة

قال عبد الحميد العمري عضو جمعية الاقتصاد السعودي في تصريح صحفي أمس أنه "واضح من التحفظ في تقدير ميزانية 2016 أن الحكومة اعتمدت في تقدير الميزانية على سعر للنفط يتراوح بين 38 و40 دولارا للبرميل.الإجراء المهم تجنيب مخصص لدعم الميزانية عند 138 مليار ريال وهو ما يعادل أكثر من نصف العجز المتوقع للعام المقبل بما سيمنح الجهاز المالي مرونة في تحقيق الإنفاق الكبير البالغ 840 مليار ريال في ظل تراجع أسعار النفط لاسيما أن هناك توقعات بأن يستمر تراجع النفط في النصف الأول من 2016 إلى مستويات 30 و25 دولارا للبرميل، ويعني ذلك أن الحكومة سيكون لديها مزيدا من المرونة للتعامل مع هبوط أسعار النفط إلى 30 - 25 دولار للبرميل".بحسب قوله.

ويتوقع محللون أن عجز الموازنة السعودية يمكن استيعابه من خلال تعظيم الدين الداخلي، إضافة إلى السحب من الفوائض المتراكمة في الموازنات الماضية، وأن ينخفض العجز في 2016 إلى النصف تقريباً، بعد ضبط المصروفات وغياب بعض مسببات الإنفاق الكبير.

 

الإنفاق العسكري والأمني..نصيب الأسد

الأمن أولا حيث أظهر بيان وزارة المالية أمس الاثنين أن القطاع الأمني والعسكري استحوذ على نصيب الأسد من الميزانية السعودية للعام الجديد باجمالي 213 مليارا و367 مليون ريال يليه قطاع التعليم والتدريب والقوى العاملة بمخصصات قدرها 191 مليارا و659 مليون ريال ثم قطاع الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية بمخصصات 104 مليارات و864 مليون ريال.

خصصت السعودية 25 بالمئة من موازنة عام 2016، أي أكثر من 213 مليار ريال (57 مليار دولار أمريكي) للأغراض الأمنية والعسكرية، وبحسب أرقام الموازنة التي نشرتها وزارة المالية السعودية على موقعها الإلكتروني، فإن هذا التخصيص يشمل وزارات الداخلية والدفاع والحرس الوطني، إضافة إلى رئاسة الاستخبارات العامة، ورئاسة الحرس الملكي، كما ويتضمن الخدمات الطبية والاسكان في المؤسسات المذكورة.

فحرب اليمن أنهكت الرياض اقتصاديًا، كذلك تورطها في الصراع السوري وتداعياته، وفي الأزمة المصرية بالمنح المالية المقدمة لنظام الانقلاب، والاتفاق النووي الأخير، الذي دفعها لسباق للتسلح لمواجهة الخطر الإيراني، كذلك أعلنت الرياض منتصف الشهر الجاري، تشكيل تحالف عسكري إسلامي من 34 دولة، بهدف محاربة "الإرهاب"، وتعد السعودية من أبرز مستوردي الأسلحة في العالم.

تداعيات غياب نقطة التعادل

قدر النقد الدولي أن متوسط سعر النفط الذي تحتاج إليه السعودية كدولة معتمدة بالأساس على ريع النفط للوصول إلى نقطة التعادل في موازنتها لهذا العام هو 90.70 دولارًا للبرميل، ولكن الواقع أن سعر البرميل سجل مستويات أقل من ذلك بكثير.

هذا الانخفاض الحاد جعل السعودية تعتمد على احتياطها النقدي الهائل لسد عجز الموازنة، هذا الاحتياطي النقدي بلغ مطلع العام الجاري 732 مليار دولار، انخفض بعد أبريل إلى 683 مليار، لأن الاقتصاد السعودي اضطر إلى سد عجز الموازنة عن طريق سحب 49 مليار دولار في أربع شهور فقط التي تم اعتمادها على أساس ارتفاع معقول في أسعار النفط لكنه لم يحدث