مهـا محمد الشريف- الرياض السعودية-
قد يبدو هذا العنوان نقطة البداية للمستجدات التي أعلنتها الحكومة، فلا وجود للانسان خارج نطاق التغيير فعالم الفعل والحركة والحس والاكتساب عالم المنفعة وليس عالم الفضيلة، وهكذا لا وجود للانسان إن لم يتحدد من خلال علاقته بالأشياء على أرض الواقع ويدرك ما تحقق خلال السنوات الماضية من تنمية وتطوير شامل.
فالنقل العام أصبح اليوم من عناصر حداثة المدن ودليلا حضاريا وخدميا، ويظل المترو أحد أهم المشروعات التي تأخرت كثيراً في مدينة الرياض والتي تعد أسرع مدن المملكة نموا على مستوى السكان والعمران، فتخيل كيف ستكون المدينة مرورياً بعد عشر سنوات إذا استمرت أسعار البنزين المنخفضة؟
إن مسؤولية الجميع المساهمة الفعلية في تطبيق الأنظمة التي تكفل السلامة والنظام للمجتمع، فإذا كان سعر البنزين المنخفض سبب الأعداد الهائلة للسيارات في الشوارع، وأيضا سبب كثرة الحوادث المرورية فإننا نطالب برفع السعر منذ زمن طويل، ومساندة لجهود الدولة في إنشاء مشروع ضخم كمشروع مترو الرياض أطالب برفع سعر البنزين وتحريره من الدعم الحكومي، فالسكان في ازدياد وتشيرالإحصاءات، إلى أن أكثر من 75 في المئة من إجمالي مركبات النقل ذات المحرك الأكبر حجما، حيث تمثل المركبات التي يكون حجم محركها أكبر من 1.8 لتر، نسبة 72 في المئة من المركبات المسجلة ويبلغ متوسط حجم المحرك للمركبات المسجلة 3.0 لترات، وهو ما يعد معدلا مرتفعا جدا إذا ما قورن بالمعدلات العالمية.
أضف إلى ذلك نسبة الحوادث المرتفعة والمرعبة والتي تم تصنيفها الأولى عالمياً في حوادث المرور، وعدد الضحايا تجاوز أكثر من 86 ألف شخص، بمعدل 17 شخصاً يومياً ومازالت أعداد المركبات تتضاعف وتفوق عدد السكان.
وتبدو مشكلة الازدحام جلية لكل من يزور الرياض وجدة وتعيق تحركات الناس والآثار السلبية المترتبة على إهدار الوقت خلال التنقل من ناحية، ومن ناحية أخرى التلوث البيئي الناتج عن عوادم السيارات فالمشروع سيسهم في تقليل عدد رحلات السيارات بما يقارب 250 ألف رحلة في اليوم وتوفير ما يعادل 400 ألف لتر من الوقود يوميا وبالتالي تنخفض نسبة الانبعاثات الملوثة للهواء.
فإذا قلنا إن الناس لا تستجيب ولا تتفاعل مع خطط الدولة ولا تستثمر الخدمات المقدمة لها وتنقصها ثقافة استخدام النقل العام، إذن، لا تتفاءلوا كثيرا بالمترو ومشروعات النقل العام الأخرى في ظل ثقافة السعوديين بل الخليجيين الذين يفضلون سياراتهم الخاصة في جميع مشاويرهم اليومية، فمترو دبي أكثر مستخدميه من الأجانب رغم التجهيزات الهائلة التي بُذلت له، وهنا تظهر أهمية المطالبة برفع أسعار الوقود والرسوم الجمركية على السيارات، لتحرر شوارعنا من الزحام وتتحقق أهداف مشروع مترو الرياض الذي بلغت الميزانية المرصودة لتنفيذه 84 مليار ريال.
فمشروع مترو الرياض جار العمل به وإن كان حاليا يخنق كثيرا من شوارع العاصمة إلا أنه بعد إتمامه سيكون نقلة كبرى خصوصاً بما أنه مشروع ضخم يشتمل على شبكة مواصلات متكاملة تغطي المدينة بالمترو، وكذلك شبكة النقل العام بالحافلات.
وتشير التقديرات إلى أن هناك وظائف وفرصا للشباب ضخمة، أضف إلى ذلك تقليص هذه الأعداد الكبيرة من المركبات المتكدسة في الشوارع، فالوعي أساس التحضر والانتقال من مرحلة إلى أخرى يتطلب قرارات جريئة وربما قاسية في بعض الأحيان، ولكنها في نفس الوقت تسهم في تلاشي الثقافة السلبية وتنمية السلوك الإيجابي لدى المجتمع.
فعندما تزور العاصمة الصينية بكين والتي يبلغ عدد سكانها أكثر من 21 مليون نسمة، لا تشعر بالزحام والاختناقات التي تشهدها في شوارع تغص بآلاف السيارات في العاصمة الرياض والتي يبلغ عدد سكانها نحو 5,7 ملايين نسمة، وهذا يعود لأسباب كثيرة من أهمها أسعار الوقود، ففي حين يبلغ سعر جالون البنزين في الصين 4,19 دولارات، يبلغ سعر الجالون في المملكة 45, 0 دولار كثاني أرخص دولة على مستوى العالم بعد فنزويلا.