هالة القحطاني- الشرق السعودية-
مازالت النساء تعاني من الغبن أثناء مطاردة المعاملات في المحاكم، بسبب المماطلة في قضايا العنف والطلاق والخلع والحضانة والإرث، التي تستنفد صبرها وطاقتها من طول الانتظار، فبعض النساء فقدت الثقة في أن تُنصف دون استئناف، وبسبب تفاوت الحكم من قاضٍ لآخر تضطر أحياناً إلى الاستسلام والسكوت على ضيم خصمها..
تعاني المرأة في أروقة المحاكم من عدة مُعوقات، تُحمّلها عناءً إضافياً فوق معاناتها الأصلية. ولا يعرف مدى وعمق تلك المعاناة النفسية التي تمر بها إلا امرأة أخرى مرت بنفس التجربة. فمن اللحظة الأولى التي تطأ قدمها المحكمة عليها أن تجاهد، وتتحمل القسوة والتجاهل لكي تنهي قضيتها، فبدلاً من أن تجد مساعدة وحلولاً سريعة، تصطدم بأسوار عالية، تُبنى أمامها وهي تنظر وتتابع، دون أن يراعي أو يفكر من يبنيها بإحساس تلك المرأة وتكوينها النفسي، ليصبح عليها أن تختار، بين تكرار محاولة القفز بإصرار من فوق تلك الأسوار، أو إسناد رأسها على الجدار أسفله والاستسلام للبكاء.
أقر وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء، بتشكيل لجنة وزارية لدراسة المعوقات التي «قد» تتعرض لها المرأة في المحاكم منذ فترة، فجاء تقرير التفتيش القضائي بأنها تحتاج إلى «مداخل وأماكن جلوس ومصاعد مخصصة»، دون ذكر الأمور الكثيرة والمهمة التي تعاني منها، ولأن التقارير جاءت ناقصة وهامشية ولم تغط سوى 1% من معاناتها الحقيقية التي اختُصرت في «مدخل ومصعد»، اقترح من سعادة الوزير أن يشكل لجنة نسائية من القانونيات أو المحاميات لتنقل الحقيقة كاملة وبواقعية أكثر، وتأتي له بجميع المعوقات التي تعاني منها النساء في المحاكم، وريثما يتسنى ذلك، سأذكر جزءاً يسيراً منها هنا.
مازالت النساء تعاني من الغبن أثناء مطاردة المعاملات في المحاكم، بسبب المماطلة في قضايا العنف والطلاق والخلع والحضانة والإرث، التي تستنفد صبرها وطاقتها من طول الانتظار، فبعض النساء فقدت الثقة في أن تُنصف دون استئناف، وبسبب تفاوت الحكم من قاضٍ لآخر تضطر أحياناً إلى الاستسلام والسكوت على ضيم خصمها، أو الخضوع لمماطلة الجلسات. المرأة يا معالي الوزير تريد قاضيا يبت في قضيتها، ويقرب مواعيد جلساتها دون أن يتجاوز الشهر، فكثيراً منهن تعاني من عدم احترام الخصم لوقت جلسات المحكمة، ولا يتم استدعاؤهم بالقوة الجبرية، إلا بعد أن يتخلفوا عن حضور عدة جلسات، فتصبح رهينة للانتظار ذي الحواف المدببة الذي يجرحها بخشونته في كل جلسة يتم تأجيلها. المرأة لا تلجأ إلى المحكمة، إلا بعد أن ينفد صبرها وستنفد جميع الحلول الممكنة لحل مشكلتها. وأي تأخير في قضيتها، لا يطيل من معاناتها فقط، بل يزيد من حجم الظلم الواقع عليها من قبل خصمها. ولعلك تذكر يا معالي الوزير قضية المعلمة التي كانت تطالب بالخلع 14 عاماً، والأخرى التي ظلت تطالب بحضانة أبنائها لمدة خمس سنوات – وقصة المرأة التي حضرت 400 جلسة طوال 13 عاماً من أجل التمسك بحقها في ملكية أرض ومنزل.
المرأة تحتاج من المحكمة أن تعتمد لها وثيقة للنفقات المتعلقة بالطلاق لتضمن حقها الفطري الذي يُغتصب كلما طالبت بحضانة الطفل، وثيقة يُدون بها تفاصيل المصروفات قبل أن يقرروا لها ألف ريال في ظل ارتفاع الأسعار، على أن تشمل ما تستحقه من أجر الرضاعة ونفقة كل طفل، وأجرة السكن، ومصاريف الدراسة، وأخرى خاصة بمواسم العيد، وتشمل كسوة الصيف والشتاء، والعلاج والترفيه وكل حاجة من احتياجات الطفل، ويشمل ذلك أوراق الطفل الثبوتية وجواز سفره، وحق إصدار تصريح سفر لأبنائها لأنها ولية أمر. المرأة تحتاج لنص قانوني يتطلب حضورها شخصياً، عند توثيق حالات الطلاق أو إثبات الرجعة وعدم الاكتفاء بحضور الزوج فقط، لأنها طرف رئيسي في عقد الزواج. المرأة في المحاكم تعاني من تجاهل حقها في قضايا التعنيف، وعدم النظر في تعويضها عن الضرر الذي ألحقه بها الزوج.
المرأة تريد، النظر في أداء بعض لجان الصلح، التي أعتقد بأنها مازالت تحتاج لكثير من التدريب والتأهيل قبل تولي مشكلات الناس، لترفع من مهنية أفرادها أولاً، ولكي تتوقف عن إصدار قرارات محبطة وغير منطقية ثانياً، تدفع بعض النساء للتنازل عن حقها بدلاً من أخذه. المرأة يا معالي الوزير تعاني من سوء تعامل، وقسوة من بعض القضاة وكتاب العدل، ولا تستطيع أن تشتكي لكي لا تتضرر. لذلك بات من الضروري أن تُفتح مساحة حيادية لتلقي الشكاوى إلكترونياً، تربط بها آلية لتقييم وقياس مستوى التعامل مع الناس في القضايا الشخصية.
وقبل النهاية، أليس إفشاء السلام من الآداب النبوية، أليس الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم). أليس نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، كان أكثر الناس تبسماً، وكان يدعو إلى التبسُّم حين قال (تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة)، إذن ما بال بعض القضاة لا يطبقون الآداب النبوية حين ندخل عليهم، فيقابلوننا بوجهٍ عبوس، ولا يردون علينا السلام!