تواصل » صحف ومجلات

الإصلاح الاقتصادي بالسعودية.. مخاطرة واختبار قاس للحكام الجدد

في 2015/12/31

الخليج الجديد-

جاءت القرارات الاقتصادية الأخيرة للمملكة العربية السعودية، خاصة تلك المتعلقة برفع أسعار الطاقة، لتضع الحكام الجدد للمملكة أمام مخاطرة واختبار قاس مع المواطنين.

وبحسب وكالة «رويترز»، فإن طوابير السيارات التي امتدت إلى خارج محطات التزود بالوقود في السعودية، أول أمس الإثنين، أملا في تعبئة السيارات قبل بدء سريان قرار رفع الأسعار الأثر الفوري لتطبيق تغييرات اقتصادية في المملكة وكشفت عن المخاطر التي يواجهها الإصلاحيون.

فبرفع أسعار الوقود بمقدار النصف من 0.16 دولارا للتر وهو سعر زهيد إلى 0.24 دولارا وهو سعر لا يزال رخيصا، فإن حكام السعودية الجدد أظهروا إصرارا على اتخاذ عدد من القرارات الصعبة في سعيهم لتطبيق إصلاحات اقتصادية شاملة تلائم مرحلة انخفاض إيرادات النفط.

وتتعلق قدرة السعودية- وهي أكبر مصدر للنفط في العالم- وحكامها من أسرة «آل سعود» على تخطي هذه المرحلة بالاستمرار، في إجراء مثل هذه التغييرات المكثفة، في بلد لا تجرى فيه انتخابات، والشرعية السياسية تُستمد من توزيع عائدات النفط.

ولطالما حذر مسؤولون بالحكومة من أن الدولة لم تعد تطيق تحمل عوامل الرفاهية، من قبيل الدعم الكبير لأسعار الوقود، وتوفير الوظائف بالقطاع العام، والإعفاء من الضرائب، والإنفاق الحكومي الواسع.

وبدا سائقو السيارات ممن سعوا لتعبئة سياراتهم مساء الإثنين، وكأنهم قبلوا برفع الأسعار، وهم يدركون جيدا أن الوقود في السعودية لا يزال أرخص ربما من أي بلد آخر، لكن ليس من الواضح إن كانوا سيقبلون بتغييرات أخرى بهذه السهولة.

فالحكومة تعهدت على سبيل المثال بخفض الزيادة في رواتب القطاع العام من 450 مليار ريال «120 مليار دولار»، لكنها لم تفصح إلا عن القليل من المعلومات عن الطريقة التي ستنفذ بها هذا التعهد في بلد يعمل غالبية أبنائه لدى الدولة.

وقاوم «آل سعود»، مرارا إصلاحات قد تثير غضب المواطن العادي لكن مع انخفاض أسعار النفط، فإن حكومة الملك «سلمان» الذي تولى السلطة في يناير/كانون الثاني الماضي تضغط لإجراء تغييرات كبيرة.

على رأس هذا البرنامج الإصلاحي، ابن الملك الأمير «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد الذي يرأس لجنة عليا تتولى الاقتصاد، وطالب بتطبيق حزمة من الإصلاحات لإنعاش القطاع الخاص، وتقليص القطاع الحكومي، ودفع أعداد إضافية من السعوديين لسوق العمل.

وإلى جانب تطبيق أول زيادة في أسعار الوقود منذ عشر سنوات، فإن اللجنة التي يقودها الأمير «محمد بن سلمان»، أنشأت بالفعل مكتبا جديدا لإدارة المشروعات لضبط الإنفاق، وخفض ميزانيات الإدارات الحكومية، بالإضافة للالتزام بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، وكشفت ميزانية العام المقبل عن الأرقام بشفافية لم تعرف في السابق.

واستعصت مسألة خفض الاعتماد على عائدات النفط على أجيال من حكام السعودية، الذين تعثرت جهودهم بين الحين والآخر لإصلاح الاقتصاد، بمجرد تحول الرأي العام ضد التغيير أو بمجرد ارتفاع أسعار النفط.

وفي السعودية، عقد اجتماعي غير مكتوب يضمن لـ«آل سعود» ولاء شعبيا مقابل وظائف حكومية، وخدمات عامة جيدة، وحكم بالأعراف والتقاليد، وضمن هذا للمملكة استقرارا أكبر من جيرانها الأقل ثراء.

لكن مع زيادة عدد السكان أصبح من الصعب استمرار هذا النهج، وعمدت إصلاحات متفرقة طبقتها الحكومة خلال الخمسة عشر عاما الماضية، إلى تقليل العبء على الحكومة من خلال دفع مزيد من السعوديين للعمل في القطاع الخاص.

وسبق للسعودية فتح قطاعات من الاقتصاد أمام القطاع الخاص، والاستثمار الأجنبي، وتقوية سوق المال للمساعدة في تعزيز النمو، ثم غيرت قوانين العمل لضمان استفادة السعوديين من الوظائف الجديدة أكثر من الأجانب.

لكن هذا لم يحقق إلا نجاحا جزئيا، إذ بقي نمو القطاع الخاص مرتبطا بشدة، بالإنفاق الحكومي، ولا يزال غالبية السعوديين يعملون لدى الحكومة وليس في شركات خاصة.

ومع زيادة كبيرة في أسعار النفط خلال العقد الماضي، بعد تراجع أوصلها لعشرة دولارات للبرميل في 1999، تبددت قوة الدفع وزاد الإنفاق الحكومي بشكل كبير، وتبخرت الجهود الأولية لتقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

ومن الإصلاحات التي طبقت ما اتسم بالتعقيد، وصعوبة التطبيق كإصلاحات في سوق العمل صبت في صالح السعوديين، وقانون للرهن العقاري وخصخصة بعض شركات الدولة، وفرض ضرائب على الأراضي غير المستغلة، لكنها لم تهدد مستويات المعيشة أو تخاطر بإغضاب المواطنين.

«فواز العلمي» الوكيل السابق لوزارة التجارة والصناعة السعودية، قال إنه «على السلطات أن تفسر للمواطنين أن هذا في صالحهم، وأن من المهم أن يفهم الشعب أنه إذا لم تطبق الإصلاحات الآن فسيجعل هذا من الصعب على أبنائهم العيش بسعادة».

وأضاف أنه «لا يعتقد أن الإصلاحات ستكون صعبة التطبيق».

ويستحيل التكهن إن كان التقشف سيقابل بمعارضة سياسية جدية، فالمرات السابقة التي شهدت قلاقل أو اضطرابات مثلما حدث في احتجاجات التسعينات من القرن الماضي كانت رد فعل من المحافظين على تغيير اجتماعي، ولم يكن السبب فيها غضب من تقليص منافع اجتماعية.

غير أن «آل سعود» عُرف عنهم التعامل مع الأوقات الصعبة بالإنفاق السخي، وهو شيء لا يستقيم مع الإصلاح الاقتصادي.

وقاوم الملك الراحل «عبدالله» والملك الجديد «سلمان» لحظات غليان محتملة، في خضم ثورات الربيع العربي وبعد تغير القيادة العام الماضي، بالإنفاق بسخاء في صورة مدفوعات للمواطنين.

والحرب التي تخوضها السعودية في اليمن، ودعم السعودية لمقاتلي المعارضة السورية، تكلفتهما كبيرة أيضا، رغم أن حجم هذه التكاليف لم يتضح على نحو دقيق.

وقال وزير الاقتصاد والتخطيط «عادل الفقيه»، الإثنين، إن «حرب اليمن تكلفت 5.3 مليار دولار فقط حتى الآن، لكن ميزانية 2016 خططت لإنفاق 57 مليار دولار على المجالات العسكرية والأمنية».

وكان من المزمع أن تكتمل مشروعات مطلوبة بشدة في البنية التحتية، بدءا من إنشاء مدارس ومستشفيات وخطوط للسكك الحديدية، وطرق ومطارات بتشييد سلسلة من الاستادات الحديثة، لكن هذا الجزء الأخير نحي جانبا.

ووعدت الميزانية التي أعلنت الاثنين، بإجراء «إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة»، لكن بخلاف الزيادة الفورية في أسعار الوقود، فإنها لم تقدم أي تفاصيل محددة عن طريقة تطبيق السياسات الجديدة، ولا عن الالتزام بإجراء تغير جذري.

وقال مسؤولون إن «أسعار الوقود لا تزال رخيصة جدا، وإن الزيادة في تكاليف الطاقة لن تؤثر إلا على الشرائح العليا من المستهلكين».

وتدعو الميزانية لزيادة منتظمة في أسعار الوقود خلال السنوات الخمس المقبلة من أجل «تحقيق الفعالية» لكنها لم تضع أهدافا نهائية.

وبدا «جهاد النجار»، طالب الطب البالغ من العمر 22 عاما، متفائلا وهو يقف بسيارته من أجل تعبئتها بالوقود لآخر مرة بالأسعار القديمة.

وقال: «هذه ليست الأسعار الحقيقية. إنهم مدعومة من الحكومة لكنها الآن تدخل حروبا كثيرة وتحتاج لمزيد من المال».

وإذا كان «النجار» وغيره من السعوديين، سيبقون على نفس النهج الفلسفي إذا ارتفعت أسعار الوقود مرة أخرى، وإذا طبقت إصلاحات أخرى لا تحظى برضا المواطنين، وكيف سيكون رد فعل الأمير «محمد بن سلمان» على ذلك، كلها عوامل ستحدد مستقبل المملكة.