د. حسن عبدالله عباس- الراي الكويتية-
امتلأت الصحف اليومية الخليجية والمحلية بأخبار إلغاء الدعومات عن الكثير من السلع إلى جانب سياسات التقشف الأخرى بما فيها الحديث عن الضرائب. فما الذي يحدث؟
قد تكون المملكة العربية السعودية من أوائل الدول الخليجية التي أعلنت عن سياساتها التقشفية برفع أسعار الطاقة والسلع الأولية، فأسعار البنزين والكهرباء وغيرهما الكثير، لم تعد كما كانت بالسابق لأن العجز الحاصل في الميزانية العامة للدولة كبير وغير متوقع، وقد عرض البروفيسور محمد السقا في مقاله «أوضاع المالية العامة للمملكة وموازنة 2016» تحليلاً اقتصادياً جيداً عن الميزانية السعودية، تحدث فيها عن حجم العجز الحاصل في السنة الحالية والمتوقعة للسنة المقبلة. فالتقدير المتوقع لحجم العجز في الميزانية كان قد قُدّر بـ 145 مليار ريال، لكنه تجاوز فعلياً 367 مليار ريال، فهذا الفارق الهائل بين الإيرادات والمصروفات جعل المملكة تستعجل إجراءاتها باتجاه إصلاحات اقتصادية كبيرة تنوعت بين تقليص حجم الدعومات و رفع أسعار السلع الضرورية، وتنمية الإيرادات غير النفطية (وكما هو متوقع، لحقت المملكة البحرينية بالشقيقة الكبرى ورفعت هي الأخرى بعض الدعومات لتقليص الفجوة بين الإيرادات والمصروفات).
وطالما أن المملكة أعلنت عن العجز، فمن المتوقع أيضاً أن يتكرر الأمر نفسه لدى الدول الخليجية الأخرى، فهي الأخرى تقريباً تتشابه في اقتصادياتها. لذلك نشرت «الراي» قبل يومين مجموعة كبيرة من البنود الاقتصادية التي سيشملها القرار السياسي الكويتي بالتقليص، وطال ذلك حتى البعثات الدراسية كما رأينا في لائحة «الراي».
ولا ندري إن كانت اللائحة مُسربة لجس النبض أم حقيقة واقعة والمستشار العالمي «إيرنست أند يونغ» سربها متعمداً للإعلام، أم هي أساساً ليست بدراسة سرية. على أي حال، العجز الاقتصادي أصبح واقعاً حقيقياً بعد وصول برميل النفط لأقل من 29 دولاراً وعلى البلد التعامل مع هذا الواقع الجديد.
نتقبّل أن تصدر مثل هذه القرارات في المملكة العربية السعودية، لكن هنا في الكويت فاعتقد أن للشعب كلمته، ويريد أن يفهم ما الذي ستفعله الحكومة، فلا يمكن للدولة التفرد في القرار ويجب الرجوع لممثلي الشعب لإقناعهم بضرورة تعديل هيكل الاقتصاد، فبحسب الدكتور السقا، رفع أسعار البنزين سيضيف للميزانية السعودية بحدود 16 مليار دولار، وهو ما يراه تحركاً تصحيحياً ويجب على الكويت اللحاق به، لهذا فإن تعديل هيكل الاقتصاد الكويتي أمر لا ننقاشه طالما أنه يصب في مصلحة الجميع.
لكن ما يهمنا هو لماذا صرنا في مرحلة العجز؟ نعلم أن الظروف الخارجية والدولية لها دور أساسي، لكن سياسة الدولة الخارجية باصطفافها غير المبرر لـ«أوبك» بحجة الحصة السوقية مع وجود التخمة النفطية، يُعد سبباً رئيسياً لما نحن فيه اليوم.
المسألة لا تتعلق بضرورة الإصلاحات الاقتصادية، بل المسألة مربوطة بتبرير الحكومة وراء اصطفافها غير المُقنع وراء قرارت «أوبك» حتى نتدهور وتصل بنا الحال إلى ما نحن عليه. فالقضية الآن مرتبطة بمن يقع عليه اللوم، وما الذي سنفعله مع المتسببين!