تواصل » صحف ومجلات

نسأل الله الشفاء العاجل لمصابي الفصام النفسي

في 2016/01/04

هاني الفردان- الوسط البحرينية-

مرض الفصام هو اضطراب نفسي يتسم بسلوك اجتماعي غير طبيعي، والفشل في تمييز الواقع. تشمل الأعراض الشائعة للمرض النفسي، الوهام واضطراب الفكر والهلوسة السمعية بالإضافة إلى انخفاض المشاركة الاجتماعية والتعبير العاطفي وانعدام الإرادة.

حالاته كثيرة، وله أنواع متعددة، لكن أهم الأنواع هو المتعلق بالوهم، والخيال الواسع، وافتراض النظريات، والعيش فيها بشكل يومي حتى تحولت إلى وظيفة يعتقد فيها المريض أنه يقدم خدمات جليلة لمجتمعه من ورائها، وهو عكس ذلك.

في مجتمعنا هناك من هو مصاب بذلك النوع من الفصام المرتبط بالوهم، فتجد المريض يمارس كل صباح مهنة تقطيع الصحف وبشكل رسمي، ووضع الدوائر والأسهم، ونسج فرضيات المؤامرة عبر أسهم وخطوط ربط يراها في مخيلته المريضة.

ذلك المرض، ليس نسجاً من الخيال، فهو حقيقة تصاب به فئات قليلة من الناس، بعضهم أصبحوا علماء وحازوا جوائز عالمية نتيجة تغلبهم على ما بهم، وبعضهم ينحط في نتاجه حتى يصبح منعزلاً مع أوهامه.

جون فوربس ناش الابن، ولد في (13 يونيو/ حزيران 1928) في بلوفيلد في ويست فيرجينيا الأميركية وتوفي في (23 مايو/ أيار 2015). وهو رياضياتي أميركي اهتم بنظرية الألعاب والهندسة التفاضلية. كان مصاباً بمرض الفصام النفسي أيضاً، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون عبقريّاً فذّاً، مضيفاً شيئاً إلى مجتمعه على رغم كل المعاناة التي عاشها طوال حياته.

تم إنتاج فيلم عن قصة حياة جون ناش ومعاناته مع المرض بعنوان عقل جميل (A Beautiful Mind)، وقام بدور ناش الممثل العالمي راسل كرو. حصد الفيلم العديد من الجوائز، منها أربع جوائز أوسكار.

بدت على جون ناش أعراض الفصام العام 1958. حيث اعتقد طول سنينه في برنستون (1945-1949) أن لديه شريكاً في غرفته، وأنه ضمن عملية استخباراتية سرية تهدف إلى حماية وطنه الولايات المتحدة الأميركية.

جون ناش، كان مهتمّاً جدّاً بتجميع قصاصات الصحف اليومية، ووضع الدوائر عليها، وربط مفرداتها وكلماتها وصورها، وتحويلها إلى رموز «سرية» تدور في مخيلته المريضة، وكان يرى ويعتقد أنه يعمل مع الاستخبارات الأميركية لصد هجوم روسي، وذلك من خلال متابعة الصحف والمجلات و«تشفير» كلماتها، ومن ثم إعداد تقارير سرية ترفع إلى جهات «عليا» في الحقيقة هي غير موجودة، عن نتائج ما توصل إليه.

المحيطون بجون ناش، اكتشفوا الحياة الخاصة التي كان يعيشها مع «الوهم»، وعملوا على تعرية ذلك أمامه من خلال مصارحته أولاً، ومن ثم عزله، حتى بلغ الأمر للعلاج بالصدمات الكهربائية والعقاقير الكيمائية.

جون ناش أصبح مذعوراً وأدخل إلى المستشفى النفسي في (مايو 1959), حيث شخصوا إصابته بانفصام الشخصية الارتيابي مع اكتئاب بسيط وقلة التقدير للذات.

كانت زوجته، مرتبكة من حجم قصاصات الصحف التي يجمعها، ويعلق ويضع الإشارات عليها، ويسعى إلى تحليلها، وخلق الروابط الوهمية بينها، ونسج الأوهام من خلالها، مع غرابة الأطوار التي يعيشها.

الرجل على رغم تعافيه بالتدرج من المرض بعد أن شجعته زوجته على ذلك ونتيجة وجود الإرادة، وتفهم حقيقة ما يعيش من أوهام ظل يخربش معادلاته سرّاً على السبورات في منتصف الليل.

في البحرين يوجد لدينا مثل تلك الحالات المصابة بذلك المرض النفسي الارتيابي، لكن بالتأكيد لا يمكن تصنيفهم ضمن خانة جون ناش الذي استطاع التعايش مع مرضه بعد أن استوعبه وتعايش معه، ومن ثم طور من أدائه حتى حصد مجموعة كبيرة من الجوائز العالمية نظير مساهماته العلمية في الاقتصاد.

ما لدينا في البحرين، حالات شبيهة بالحالة المرضية لجون ناش، من تقطيع الصحف، ووضع الدوائر، ورسم المخططات، ونسج المؤامرات، وإعداد التقارير السرية، إثر ربط الأوهام المرضية مع بعضها استفادة من حالة الاحتقان السياسية والمجتمعية في البحرين، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، في ظاهرة مرضية غريبة على مجتمعنا البحريني.

نسأل الله الشفاء العاجل لجميع مصابي الفصام النفسي الارتيابي وقلة التقدير للذات في مختلف أنحاء العام بشكل عام وما نعنيهم بشكل خاص، كون الحالة التي يعيشونها، قد تخطاها الزمن منذ سبعينات القرن الماضي، مع انتشار قصة العالم جون ناش ومشكلته النفسية وإنجازاته العلمية.